فايز أبو عيد
تلخص اللوحة التوراتية المعلقة على مدخل الكنيست الصهيوني ” حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ” الأهمية الكبرى التي تحتلها المياه في الفكر الصهيوني لذلك اعتبر “تيودور هرتزل “مؤسس الحركة الصهيونية “أن البناة الحقيقيين لدولة إسرائيل هم مهندسو المياه ” ،أما رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنامين نتنياهو” فقد تحدث في كتابه ” مكان تحت الشمس ” عن أهمية السيطرة الإسرائيلية على المياه فقال : ” يجب على إسرائيل ضمان سيطرتها على مصادر المياه في الضفة الغربية ،أي السيطرة على المناطق الواقعة فوق أحواض المياه الجوفية الحيوية للاقتصاد المائي الإسرائيلي ” وقد أيد هذه الفكرة شمعون بيريز الرئيس الحالي لما يسمى دولة إسرائيل عندما أجاب عام 1993 وفي ذروة مفاوضات السلام مع العرب عن موضوع المياه “أننا لو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه فقد نكتشف أنه ليس لدينا اتفاق حقيقي …. وإن إسرائيل تحتاج الى الماء أكثر من احتياجها للأرض “
مِمَّا تقدم يتَّضح أن الأطماع الصهيونية بالمياه العربية ولدت مع ولادة (المشروع الصهيوني) التوسعي، الذي يقوم على عنصرين أساسهما: الأرض والبشر• وكلاهما بحاجة إلى المياه، أساس أي حياة• وبناء على ذلك وأولى القادة الصَّهَايِنَةُ موضوع المياه أهمية قصوى ووضعوه نصب أعينهم عندما طالبوا بتأسيس ما يسمى (إسرائيل الكبرى)،وأخذوا بعين الاعتبار ما سيكون عليه الموقف المائِيَّ الحَرِج الَّذي يمكن أن يَجعل أَمْنَهُم مُهَدَّدًا، فكان الحلُّ في نظرهم ضرورة الاعتماد على الموارد المائية في البلدان المجاورة، وإذا كان هذا الأمر قد تحقَّق بقوة السلاح فيما بعد، فإنَّه في البداية كان عبارة عن مطالب يبعث بها الصهاينة إلى القوى البريطانية والأمريكية التي ستساعدهم على تأسيس دولتهم. وبالفعل ولأن المياه أصبحت رهان المستقبل وحجر الأساس لقيام دولتهم فقد وضعت الحركة الصِّهْيَوْنِيَّةُ منذ مؤتمر بازل بسويسرا عام (1898م) خريطتها لدولة إسرائيل على أساس التحكُّم في مجمل المصادر الطبيعية للمياه بالمنطقة.
حرب المياه العربية الإسرائيلية
في البداية أخذ الصِّراع حول المياه بين إسرائيل والعرب شكل مشروعات ومشروعات مضادة، وظل الفارق بينهما – ولا يزال – أنَّه بينما كانت المشاريع العربية تقف عند حد الطرح على الورق، ثم لا يَتِمّ تنفيذها بسبب الخلافات العربية والعقبات الإسرائيلية، كانت المشروعات الإسرائيلية تجد طريقها وبسرعة إلى حيز التنفيذ، لكن بعد ذلك وجدت إسرائيل في “سلاح “المياه أداة لشن الحروب على الدول العربية ، وقد برز ذلك بوضوح فمعظم الحروب التي شنتها على الدول العربية كانت مشكلة المياه ظاهرة فيها بوضوح ،ففي حرب 1948 أحكمت “إسرائيل ” السيطرة على بحيرة طبريا ووصلت إلى نهر الأردن من الشمال ثم الوصول إلى خليج العقبة جنوباً على البحر الأحمر . وفي حرب 1967 سيطرت على الضفة الغربية والجولان ووصلت إلى قناة السويس شرقاً، طمعاً في مياه النيل، وفي حرب 1982 احتلت “اللسان الأدنى من نهر الليطاني وأقامت نفقاً فيه وصل حتى وادي ميماس لسحب مياه الليطاني الى منطقة الجليل ووصلت الهدف من ورائها السيطرة على المياه أما في عام 1965 فقد هدد إسحاق رابين لبنان وحمّله مسئولية ما سيقع في حال استمراره في تحويل مياه نهر(الحاصباني)، وموشى دايان، فقد هدد باستعمال القوة العسكرية لمنع العرب من تحويل مجاري مياههم.
ولم تكتف اسرائيل بذلك، بل عمدت إلى سرقة المياه العربية حيث أكدتْ بعضُ التقاريرِ الرسميةِ أن إسرائيل تسرق حاليًّا ما يُعادل 95 % من موارد المياه الفلسطينية وتترك للفلسطينيين في الضفَّة والقطاعِ الباقي، وهو 5 % فقط. مما يهددُ بأزمةٍ خطيرةٍ سيواجهُها المواطنُ الفلسطيني، تصل إلى حد العطش في المستقبل. وأضافتِ الدراسةُ أنَّ إسرائيلَ تنهب وتسلب مياه هضبةِ الجُولان المحتلَّةِ وكذلك منابع نهر الأردن وقد أكدت وبينتِ الدراسات أن السطوَ الإسرائيلي على المياه العربية امتدَّ إلى نهر اليرموك، وهو أكبرُ روافد نهر الأردن، وهناك أدلةٌ على أن إسرائيل تعملُ الآن على تحويل مياه نهرِ الليطاني بواسطة نفقِ حَفَرَتْهُ تحت الأرض بطول 17 كم؛ كي يصل إلى سهل الحولة، حيث يلتقي بقناة نهر الوزاني، ثم تصب القناة المشتركة في بحيرة طبرية، فالمياه المسروقة من نهر الليطاني تزيد من مساحة الأرض المحتلة المروية بنسبة 25 %، وهو ما يعني زيادة في قدرة استيعاب المهاجرين اليهود بمقدار مليون يهوديٍّ جديدٍ.
إذا بات من الواضح أنَّ إسرائيل تسعى بشكل دائم لاستخدام المياه سلاحاً سياسياً، وورقة ضغط لحل مشكلاتها مع الدول العربية قسرا وإجباراً•• حتى أنه بات يعتقد أن إسرائيل قد استبدلت مقولة الحدود الآمنة بمقولة الحد المائي الأكثر استقراراً، لأن هذه القضية باتت تهم القادة العسكريين والسياسيين ومعظم العاملين في حقل الاقتصاد بسبب الأزمة المائية. فالمياه العربية كانتْ السندً القويًّ في السياسة الصهيونية لتمسّكها باختيار فلسطين لتكون وطنًا قوميًّا لليهود منذ الحرب العالمية الأولى وحتَّى اليوم، ومما لا شك فيه أن الأمن المائي العربي سوف يشكل في المرحلة القادمة أحد أهم أسباب التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، خاصة في ظل الندرة النسبية للموارد المائية المتاحة والانخفاض العام في كميات الأمطار ونضوب المخزون المائي الجوفي، وكذلك على خلفية مواقف عدد من دول الجوار المتحكمة بمنابع الأنهار العربية، وتحديداً إسرائيل• وفي هذا السياق تتجسد ملامح صورة كارثية تهدد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار في وطننا العربي .لهذه الأسباب وجب على الأمة العربية اعتبار معركة المياه قضية قومية لا يمكن التساهل فيها ،لأن هذه ليست معركة مصيرية فحسب ،بل هي معركة قانونية وسياسية وعلمية واقتصادية …، والمحافظة على الحق المائي العربي هو المحافظة على الحقوق القومية للأمة العربية ،ينبغي عدم التفريط بها .