فايز أبو عيد
ولد الشاعر أحمد حسين مفلح في بلدة (سمخ) على ضفاف بحيرة طبريا في فلسطين عام 1940 في 19/نيسان ــ أبريل. ترعرع في أحضان طبيعة ساحرة أنجبت عدداً مهتماً من الشعراء والأدباء منهم يحيى يخلف وفواز عيد وصالح هواري ومحمود مفلح وعدنان عمامة.
بدأ رحلته مع الشعر في سن الخامسة عشرة من عمره، إذ ألقى بيتاً شعرياً واحداً حينها، ثم تدرج في كتابة القصيدة وبدأ بنظم الشعر الوجداني الذي يتماهى مع الطبيعة والوطن متخذاً من شعر التفعيلة قافية له وهو في الصف التاسع الإعدادي.
نضوج الشعر:
بدأ الحس الشعري عند الشاعر أحمد مفلح ينضج ويلتهب بمشاعر جياشة ووطنية عندما انطلقت الثورة الفلسطينية عام 1965م فواكبها بكل تفصيلاتها وأخذ ينشر شعره الوطني في الصحف والمجلات ويشارك بالأمسيات الشعرية مع كبار شعراء سورية مثل: علي الجندي وممدوح عدوان ونزيه أبوعفش وحسن البحيري، وكان للعمل الفدائي والكفاح المسلح الفلسطيني تأثيره القوي على الشاعر أحمد مفلح مما جعل جواد الشعر لديه ينطلق ويتدفق قلمه سيالاً, فكتب قصيدة بعنوان (أحبائي) استلهم أبياتها من عملية ترشيحا الفدائية قال فيها:”
أحبائي كعود الندُ والريحان قد عبروا
حدود الدوم والعرعرْ
أنا مازلت أذكرهم
ثلاثتهم بلون القمح
رابعهم فتىً أسمر
كنوز الشمس طلعته
وجدع النخل قامته
وأما ثغره البسّام
يحكي الصبح إن أسفر.
تأثر أحمد مفلح بالأحداث الجسام كالنكبة والنكسة والشتات مما زاد من معاناته ففجرت الطاقات الكامنة لديه وانعكست بشكل إيجابي في نظمه للشعر لأنه وبحسب قوله بأنه لا يمكن للمكان أن يحبس الشاعر بين جدرانه فهو منطلق دائماً ولا يمكن للشاعر أن يشعر بالعجز فهو صاحب رسالة سامية وعليه أن يشق طريقه في هذا الخضم, وهذا ما انعكس بشكل جليّ في قصائده الشعرية التي كتبها مثل(قناديل طبرية) و(عراف الشريعة) و(الضفاف) و(اغتيال القمر الفلسطيني) و(حبيبتي بيسان)، و(شمس الانتفاضة) و(يا عيون الجليل) ، و(عشاق الكرمل والجولان)حيث حملت بصمات القضية بكل أبعادها وتطوراتها كحصار غزة وقصفها، والانتفاضة والأسرى والأنفاق وقوافل كسر الحصار، كما حملت الألم والوجع من خلال استخدام مفردات خاصة بالقضية الفلسطينية والشوق والحنين إلى الوطن.
وبناءً على ذلك فكل مجموعة شعرية جديدة له كانت تشكل لبنة أساسية في البناء الشعري والنفسي لا غنى عنها، فهو لا يكتب شعراً للتسلية بل يرسخ قيماً ومفاهيم مقاومة تصارع الطرف الآخر الذي يحاول طمس هوية الشعب الفلسطيني، وكل كلمة كتبها وضع نصب عينيه العدو الصهيوني والجهل والمرض، وهو في خضم التحدي يزرع الأمل ويتمسك بالقيم الأساسية، ففي حنايا كل قصيدة كتبها ترى طبريا وحيفا والقدس والكرمل والطور والطابور والبحيرة والأنهار … وكذلك التصدي لمشاريع التصفية التي بدأت تتساقط أمام صلابة الشعب الفلسطيني.
الشعر عند أحمد مفلح يسابق الحدث نحو المستقبل وهو معاناة إلى حد النزف، لذلك كان لكلمات قصائده وقع خاص فقد أدت إلى أن يكرم عدة مرات فنال الجائزة الأولى لمسابقة اتحاد الكتاب العرب في مجلة الموقف الأدبي عن قصيدته (دمي زهرة برتقال)، كما فازت مجموعته الشعرية الأولى (قناديل طبريا)، بالجائزة الثانية للشعر الفلسطيني، جامعة الدول العربية قسم الثقافة والعلوم.
الشعر ناقل للهموم والمعاناة.
يرى الشاعر أحمد مفلح أن الأدب والشعر الفلسطيني لم يخفق في نقل هموم الشعب بل صور المعاناة بكل دقائقها، فالشاعر الحقيقي عند (مفلح) يسبق السياسي دائماً ويكون رائد قومه، فالسياسي يتبع برنامجًا معينًا ووجهة معينة لا يستطيع غالبًا الخروج عليها، بينما الشاعر لا حدود ولا قيود عليه فهو يحلق ويبدع دون قيود، ومع هذا فهناك نقاط التقاء بينهما، لهذا لا وجود لشعر فلسطيني سياسي عند الشاعر أحمد بل هناك شعر قضية بكل أبعادها يحمل الهم وينقل المعاناة.
إلا أنه يشعر أحياناً أن المؤسسات الثقافية تتشرنق حول نفسها وتهدر طاقاتها وتفسح الطريق إلى من ينتمي إليها ولو كان هزيلاً، ولا تتعامل مع الجميع على أساس الإبداع والكفاءة، وهذا مرض مزمن ولا سيما لدى بعض الفصائل الفلسطينية.
ورغم ذلك يرى أن الأمل الفلسطيني الكبير هو المعادل الموضوعي لهذا الشعر فالوطن بكل ذراته يسكن في داخلنا.
وأخيراً يمكن القول بأن الشاعر المخضرم أحمد مفلح نقل هموم الشعب الفلسطيني بصدق وعفوية فأبدع قصائد من الصعب أن تمحى من ذاكرة الأجيال القادمة؛ لأن عناوين مجموعاته الشعرية وأبياتها تذكرنا به بشكل دائم فهو القائل:
في خلايا جسدي يسري الهوى ولروحي هينماتُ البلبلِ
أنا في الشام وقلبي طائرٌ يتغنى في سماء الكرملِ