الشباب الفلسطيني فريسة حرب وأزمات وآفات اجتماعية خطيرة

فايز أبو عيد

تشكل فئة الشباب الشريحة الأكبر، والأوسع بين الشرائح العمرية للفلسطينيين في سوريا.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن الإحصاء المركزي الفلسطيني في عام 2014 كان عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سوريا يقارب (540 ألف) لاجئ، يقدر عدد الشباب من (12 – 30) سنة بينهم بنحو 161 ألفاً، أي أن نسبتهم حوالي 30 بالمئة.

ونظرا لهذا الحجم الكبير، فقد أرخت الأزمة السورية بظلالها وتداعياتها على فئة الشباب بشكل ملحوظ، وربما تحملوا النصيب الأكبر من تداعياتها، وآثارها السلبية.

يقول محمد/اسم مستعار/ وهو شاب فلسطيني من مخيم السيدة زينب، يدرس في جامعة دمشق لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا: “إنه وخلال الأزمة اضطر إلى ترك العديد من المواد، والرسوب فيها، لتأخير تخرجه من الجامعة، كي لا يتم سحبه للخدمة في جيش التحرير الفلسطيني، والمشاركة إلى جانب قوات النظام السوري في معاركها ضد المعارضة، وضد الشعب السوري”.

أما خالد/اسم مستعار/ وهو شاب فلسطيني من مخيم سبينة ، تخرج من المعهد الهندسي في جامعة دمشق ، وخدم في جيش التحرير مدة خمس سنوات، فيقول إنه ومنذ أربع سنوات يبحث عن وظيفة تناسب اختصاصه، دون أن يجد، وخصوصاً في المؤسسات الحكومية بعد أن امتنعت الكثير منها عن توظيف الفلسطينيين خلال الأزمة، فيما يتم استيعاب المسرحين من قوات النظام، ضمن برنامج يطلق عليه /برنامج تشغيل المسرحين/، مشيراً إلى أن مشكلة البحث عن عمل من قبل الشباب، باتت تؤثر على أوضاعهم المادية والنفسية، في ظل انعدام فرص العمل حتى لدى القطاع الخاص نتيجة للأوضاع الاقتصادية الكارثية التي تمر بها سوريا، ما يجعلهم يعيشون أزمات حادة تؤثر على مختلف مجالات حياتهم ،فيما اضطر البعض للانضمام إلى الميليشيات والمجموعات التابعة للنظام السوري والقتال في صفوفها لتأمين مصدر دخل.

وتوضح ريم /اسم مستعار/ وهي شابة فلسطينية تبلغ من العمر 22 عاماً من مخيم جرمانا أنها اضطرت إلى ترك دراستها الجامعية، نتيجة للظروف المادية، والمعيشية الصعبة للغاية التي تعاني منها أسرتها، حيث اضطرت هي وشقيقتها الأصغر والتي كانت في المرحلة الثانوية، للعمل في أحد المشاغل القريبة لمساعدة أسرتهما في تحمل تكاليف الحياة الباهظة.

بدروه يشدد أسامة/اسم مستعار/وهو شاب يبلغ من العمر 28 عاما من مخيم دنون، على أنه اضطر لترك عمله خلال سنوات الأزمة الأولى خوفاً من الاعتقال من قبل حواجز قوات النظام، وأجهزته الأمنية، والتي كانت تعتقل أي شخص لمجرد الشبهة أو الشك، ليغيب بعدها في غياهب السجون، دون أن يعلم أحد عن مصيره، موضحا أنه بقي عدة سنوات لا يتحرك إلا ضمن المخيم، ما جعله عالة على أهله وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة.

وتعليقا على هذا الموضوع تحدث أحد الباحثين والناشطين في مجال قضايا الشاب الفلسطيني، فقال إن التداعيات والآثار السلبية التي خلفتها الأزمة السورية على أوضاع الشباب الفلسطينيين، تعددت وشملت مختلف أوجه حياتهم، حيث شهدنا العديد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة، كانتشار المخدرات وحالات الادمان بنسبة كبيرة، وهو الأمر الذي انتشر بشكل كبير خلال الأزمة بين مختلف فئات الشباب في سوريا.

ويشير الباحث إلى أن بعض الاحصائيات كانت تتحدث عن وجود نسبة كبيرة من المدمنين على المخدرات بمختلف أنواعها، بين الشبان الفلسطينيين وخاصة في المخيمات حيث تحدثت بعض الإحصائيات عن نسبة تتجاوز الـ 30 بالمئة من بين مجموع الشباب قبل بداية الأزمة السورية، وهو ما زاد بشكل خطير خلال الأزمة، فانتشرت المخدرات بشكل كبير ضمن المجتمع، بتسهيل من بعض المجموعات التابعة للنظام السوري نفسه.

ويمكن أن نلفت في هذا السياق إلى التقرير الذي نشرته مجموعة العمل في تموز العام الماضي، حول تورط قيادات في لواء القدس الموالي للنظام السوري بإدارة شبكات لبيع، وترويج المخدرات في مخيم النيرب بحلب، ومناطق أخرى مستغلين الحصانة الأمنية، وتوفر خطوط تهريبها من لبنان.

ويتابع الباحث…وكما أثرت الأزمة عميقاً في أوضاع الشباب الفلسطينيين على الصعيد الاقتصادي والتعليمي، فإنها حفرت في البنية الاجتماعية، فانتشرت ظاهرة العنف، والطلاق، والعنوسة بين فئات الشباب بشكل كبير، ووفقا لإحصائيات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التابعة للنظام السوري كانت نسبة الذكور بين الفلسطينيين في سوريا قبل الأزمة نحو 50،14، فيما بلغت نسبة الإناث نحو 49،86 بالمئة ، وهو ما تبدل كليا خلال الأزمة نتيجة لهجرة نسبة كبيرة من الشباب الذكور إلى خارج سوريا، الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة العنوسة بين الفتيات، هذا عدا عن تكاليف الزواج الباهظة والتي باتت تمنع الشباب من الإقدام على الزواج.

ويضيف الباحث إن مشكلة الطلاق برزت أيضا خلال الأزمة وشملت مختلف الشرائح الموجودة في سوريا، حيث ازدادت نسبتها بشكل واضح.

وتبين الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل في حكومة النظام أنها زادت خلال عامي 2018 و2019 بنسبة 6 بالمئة في سوريا بشكل عام، الأمر الذي يشمل مختلف الفئات بما فيها اللاجئين الفلسطينيين، مع ما تتركه هذه الظاهرة من آثار مدمرة وتفكك أسري وتأثير سلبي على الأبناء.

ويقول الباحث إن البطالة المنتشرة بين صفوف الشباب الفلسطيني في سوريا، هي سبب أساسي في مجمل المشاكل والظواهر السلبية التي نراها تتفشى في المجتمع، وقد زادت نسبة البطالة بشكل حاد خلال الأزمة السورية، لافتا إلى أن هذه المشاكل يقابلها أيضا مشاكل يعاني مني الشباب الذين هاجروا الى خارج سوريا، من بينها صعوبات الاندماج، والإحساس بالغربة، وغيرها.

كل هذه التداعيات والآثار السلبية للأزمة السورية على أوضاع الشباب الفلسطيني، تضاف إلى المعاناة الكبيرة التي واجهوها خلال السنوات الماضية، ولكن يبقى الهاجس الأكبر بالنسبة لهم هو القلق، والخوف من المستقبل المجهول، والمصير القاتم الذي يتحسبون منه، في ظل استمرار هذه الأزمة، وغياب أي حل لوضع اللاجئين الفلسطينيين، ما يجعلهم فريسة للأزمات والآفات الاجتماعية الخطيرة.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/ibew

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top