بيروت: فايز أبوعيد
عشق الحرف والكلمة، وشكّل الكتابة هاجسه الأكبر، فكانت بحسب وصفه وسيلته للتعبير عن ذاك العمر الاستثنائي الذي عاشه، وعايش معه الكثير من الأحداث الإنسانية الغريبة، واستطاع فيما بعد التعبير عنها إبداعياً من خلال قصصه العديدة، التي اعتمد في جلّها على تلك الأجواء التي خبرها من خلال تجربته في الحياة.
قناديل العودة التقت مع الكاتب أحمد أبو حليوة فكان لنا هذا معه:
السؤال الأول: بماذا تُعرّف لنا أحمد أبو حليوة وماذا تقول في طموحاته وآماله؟
• لاجئ فلسطيني ولدت في سوريا عام 1974 وتلقّيت تعليمي في مدارس الوكالة والحكومة في الأردن، تخرّجت من قسم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، وخبرت حياة المخيمات.
بدأت الكتابة في العشرين من عمري وأصدرت مجموعتي القصصية الأولى (سعير الشتات) عن دار الجيل العربي في عمان عام 2004، وفي هذا العام 2015 صدرت مجموعتي القصصية الثانية (رجل آخر) عن دار فضاءات في عمان.
أمل أن تكون كتاباتي خطوة ولو صغيرة نحو فلسطين التاريخية، وأن تكون بالفعل ليس كتابة عن أبطال متخيّلين، بقدر ما هي كتابة لبطل سيرة حقيقية من هذا الزمان، الذي تآمر فيه علينا الغرب والشرق.
السؤال الثاني: كيف تنظر لرحلة التيه التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني؟
• رحلة التيه التي يعيشها الإنسان الفلسطيني رحلة شاقة المسير وطويلة الدرب، وهي محفوفة بالشتات والأسرى والشهداء والجرحى والقابضين على جمر الصمود، والحاملين في كلّ أصقاع الأرض حلماً واحداً هو العودة، ومعهم مفاتيح الآباء والأجداد.
الأمر المهم في هذه الرحلة إدراكنا أنّها ستنتهي ولو بعد حين، حتى لو كان هذا الحين عبارة عن أجيال وأجيال، ممّا يعني حملنا لجمر الأمل دافئاً متأججاً في أعماقنا الحالمة بفلسطين العظيمة.
وقد سعيت من خلال مجموعتي الجديدة أن أتوقف عن التيه الفلسطيني بشكل أو آخر، فجاء ذلك في عدة قصص
من مثل قصة (أبو أحمد بلال) التي ترصد لتاريخ فلسطين المعاصر خلال سبعين عاماً، أي منذ مطلع العقد الرابع في القرن العشرين إلى نهاية العقد الأول في القرن الحادي والعشرين، حيث دارت أحداثها على مساحة جغرافية كبيرة أيضاً، امتدت من فلسطين ومرت بالأردن ومن ثم سوريا، لتنتقل بعد ذلك إلى تونس، لتعود الأحداث بعد ذلك إلى سوريا من جديد، وكل ذلك من خلال الاعتماد على عملية التداعي وتقنية الاسترجاع لبطل القصة –والدي- وهو أبو أحمد بلال، وممّا جاء في هذه القصة: “هناك.. غريباً حتى عن غربته، استيقظت زوجته صباحاً، خرجت من الغرفة، وعند الدرجات الأولى من السلم المؤدي إلى سطح البيت، وجدته جالساً مستنداً إلى الحائط، مُفتقداً وطنه كعادته.. فاقداً حياته للمرة الأولى والأخيرة”.
في حين عبّرت عن الوطن في قصّة (تعهّد) بشكل آخر أورده من خلال الاستشهاد التالي: ” شعر بالخزي الحاد من الذات، وندم طويلاً على فعلته، مفضلاً لو بقي على أرض وطنه مدى الحياة في سجون الاحتلال كما كان الأمر مقرراً. أدرك أن الحياة قد غادرته بمجرد توقيعه على التعهد بعدم الرجوع مطلقاً إلى وطنه مقابل إعطائه حرية زائفة”.
السؤال الثالث: ما هي الأفكار التي تضمنتها مجموعتك القصصية الثانية الصادرة حديثاً (رجل آخر)؟
• تضمنت الثيمة الأساسية في حياتنا جميعاً كفلسطينيين وهي الوطن، هذا الذي لا يغادرنا وإن غادرناه، هذا الذي نحمله في قلوبنا عمراً، رغم أنه لم يحمل الكثير منّا لحظة، إضافة إلى عدد من القصص الاجتماعية والعاطفية التي تنعكس فيها معاناة الإنسان العربي أكثر من غيره فقراً وألماً وخفوتاً للأمل.
(رجل آخر) في النهاية عملي الذي سعيت من خلاله أن أكون قاصاً آخراً، ربما بشكل أساس من حيث إحساسي بأبطالي الحقيقيين مثل (أبو أحمد بلال) أو المتخيّلين مثل (سباريس)، واضعاً نصب عينيّ -ومن منطلق تجربتي- أن الإبداع المميّز والصادق يفرض نفسه رغم شحّه وقلته، إذ إنني على مدار عقدين من الكتابة لم أقدم سوى عملين، لكنهما تركا أثراً واضحاً في الساحة الأدبية الأردنية.
السؤال الرابع: وضّح لنا العلاقة التي تربط مجموعتك القصصية الأولى (سعير الشتات) بالجديدة:
• الخيط الناظم للمجموعتين هو أنا، إذ يرتبط أبطال العديد من القصص بي شخصياً، بل ويندغمون في بعض الزوايا بشخصيتي، فأكونهم ويكونونني سلباً وإيجاباً وحزناً طاغياً وفرحاً عابراً، وهذا مما يشعر القارئ للمجموعتين بوجود رابط لكلّ هذه القصص ولكلّ هؤلاء الأبطال الذين حتماً لهم ظلال واقعية وحقيقية في حياتي أو على الأقل حياتنا.
ولا أنكر سيري على نهجي في مجموعتي الأولى (سعير الشتات)، من احتواء المجموعة بداية على قصص وطنية ومن ثم اجتماعية لتختم بالقصص العاطفية، سعياً مني للإلمام بقضايا المجتمع المختلفة، جاعلاً أمامي على الدوام قضيتنا المركزية.. القضية الفلسطينية.
السؤال الخامس: ماذا يعني لك إطلاق مجموعة قصصيّة جديدة؟
• المجموعة الثانية تؤكد للمبدع نفسه انتقاله نوعاً ما إلى مرحلة الاحتراف بعد عمليات التجريب التي يشهدها العمل الأول، وبالتالي هي تشعرك أنّ الفعل الإبداعي لم يكن نزوة في حياتك ولا ظرفاً طارئاً، بل هو متجذر فيك بعمر نحت نبطي وبحجم جامع أموي.
كما أكّدت لي قبل غيري أنني أملك جمهوراً من القراء يشتاق لما أكتب، بل وينتظر ما أكتب، وهذا بحدّ ذاته محفز قويّ للإبداع ودافع لتقديم المزيد، لمن عليك أن تثبت لهم أنك بالفعل تستحق ثقتهم وحبّهم.
السؤال السادس: هل لك أن تحدثنا عن البيت الأدبي للثقافة والفنون؟
• البيت الأدبي للثقافة والفنون هو عبارة عن صالون أدبي أسّسته في منزلي في عمان عام 2004، وانتقلت به إلى مدينة الزرقاء عام 2008 وأديره منذ ذاك الحين، حيث يعقد لقاء شهرياً مساء الخميس الأول من كلّ شهر، وحتى لحظة القول فقد عقد 131 لقاء، ولم يحدث أن ألغي أيّ لقاء من لقاءاته التي تشتمل على فقرات عديدة من مثل: فقرة القراءات الإبداعية الشعرية والقصصية، وفقرة المعرض الفني التشكيلي، بالإضافة إلى فقرة للموسيقى والغناء الوطني الملتزم، يضاف إلى ذلك وجود ضيف مهم للقاء يكون أحد المبدعين أو الأدباء أو المفكرين المعروفين في الساحة الأردنية وربما العربية.
وقد استطاع البيت الأدبي للثقافة والفنون أن يقيم عدة أمسيات أدبية ومهرجانات ثقافية في عدة محافظات أردنية، وبالتعاون مع هيئات ثقافية حكومية وأهلية، كما أصدر ثلاثة كتب، جاءت تحت عنوان واحد هو (اثنا عشر) في الأعوام 2007 و 2008 و 2009، ومازال عطاء البيت الأدبي للثقافة والفنون مستمراً، وهو حريص على الأصالة والتجدّد، ويضاف إلى فعاليته الشهرية الثقافية العامة فعالية اجتماعية خاصة بعنوان (زيارة مثقف)، وما زال هذا البيت يقدّم ويقدّم حتى وقتنا الحاضر، مع العلم أنّه مبادرة فردية مني وفي منزلي منذ أحد عشر عاماً ومازال، ولا يخضع لأي جهة رسمية أو غير رسمية، وبات يعدّ من أبرز عشرة أماكن ثقافية ناشطة في الساحة الثقافية الأردنية.