الكتابة مرآة للواقع وتعبير عن مكنونات النفس ونوازعها

فايز أبو عيد – بيت فلسطين للثقافة

من نافل القول إن بعض الكتاب ارتبطت كتاباتهم ومؤلفاتهم بمشاعرهم وبأحداث حقيقية جرت معهم ومروا بها، فكانت كتاباتهم تعبير صادق عن مكنونات النفس ونوازعها، قبل أن تكون ومضة ضوء موجهة نحو المجتمع. فالكاتب الحقيقي يشتعل حماسًا للتعبير عما يختلج في ذاته ويشعر بضرورة ملحة في البوح للناس بما لم يكتبه أحد من قبل، ولكونه قد التقى أناسًا وتملكته إحساسات ليس بوسعه أن لا يعبر عنها، هكذا تظهر للوجود النتاجات الإبداعية الممتعة.

وفي هذا المقام نستذكر العديد من الأدباء والكتاب والشعراء الذين قاموا بكتابة سيرهم الذاتية، وألفوا كتبهم وروايتهم ونظموا أشعارهم بفعل ظروف مفرحة أو قاسية أو ظلم أو حدث معين ألم بهم، منهم الكاتب المغربي “محمد شكري” الذي كتب رائعته “رواية الخبز الحافي”، المفكر “سيد قطب” الذي ألف كتاب “في ظلال القرآن” أثناء اعتقاله، الكاتب السوري مصطفى خليفة كتب رواية “القوقعة” بدافع الحديث عن تجربته المريرة في سجن تدمر، الروائي المصري بهاء طاهر أصدر كتاب “السيرة في المنفى” تحدث به عن رحلته بالحياة المليئة بالأوجاع والغربة، الكاتب الفلسطيني “مريد البرغوثي”  كتب سيرته الذاتية تحت عنوان “رأيت رام الله” تحدث فيها عن مأساته ومأساة أبناء شعبه الفلسطيني، وهنا لا يسعنا ذكر جميع التجارب حيث القائمة تطول وتطول.

رواية الخبز الحافي أنموذجاً

حياة الفقر والبؤس والشقاء المغمسة بالظلم والقهر والعيش في ظلمات الجهل والبيئة المسحوقة والأكل من المزابل والنوم في العراء دفعت الكاتب المغربي “محمد شكري” لكتابة رواية “الخبز الحافي” التي تعد ضمن أشهر الروايات العربية، حيث دخلت في قائمة أفضل 100 رواية عربية؟

رواية “الخبز الحافي” يسرد فيها الكاتب محمد شكري مأساته الإنسانية، ويفضحُ خفايا العالم السفلي القابع في ظلمات الجهل والبؤس والفقر والعنف، ويرصد الواقع بشكل دقيق وواقعي بعيدًا عن التزوير والتزييف بغية إرضاء المجتمع.

لذلك يقول شكري على غلاف روايته الخبز الحافي: «لقد علمتني الحياة أن أنتظر، أن أعي لعبة الزمن من دون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته: قل كلمتك قبل أن تموت، فإنها ستعرف حتماً طريقها. لا يهم ما ستؤول إليه.

تعدُّ رواية الخبز الحافي من أشهر الأعمال الأدبية للكاتب محمد شكري وهي الرواية التي كتبها عام 1972م، وتمَّت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية في عام 1973م، وإلى اللغة الفرنسية ترجمها الطاهر بن جلون عام 1981م، إلا أنَّها لم تُنشر باللغة العربية إلَّا في عام 1982م أي بعد كتابتها بعقد من الزمن، وتُرجمت الرواية فيما بعد إلى أكثر من 38 لغة حول العالم، تمثِّل الرواية الجزء الأول لسيرة الكاتب الذاتية التي كتبها في ثلاثة أجزاء وهي: الخبز الحافي، زمن الأخطاء، وجوه، وقد كانت فكرة كتابتها بتشجيع من الكاتب الأمريكي الذي كان يقيم في طنجة بول بولز وكان صديقًا للكاتب محمد شكري، لاقت الرواية انتقادات كثيرة وأثارت عاصفة في العالم العربي، لأنها تخالف معايير وتقاليد المجتمعات العربية.

ببليوغرافيا

عانى محمد شكري من مواليد (1939)  في طفولته من حياة قاسية وصعبة، اضطر عام 1942 للنزوح مع عائلته إلى مدينة طنجة ولم يكن وقتها يتحدث العربية لأنَّه كان من الأمازيغ ولغته الأم هي اللغة الأمازيغية، عمل في طنجة قبل العاشرة من عمره في مقهى ثمَّ حمَّالًا وبائع جرائد ثمَّ ماسحًا للأحذية فبائعًا للسجائر المهرَّبة، هاجرت أسرته إلى مدينة تطوان لكنَّه عاد إلى طنجة بسرعة، في عام 1955 وبعد أن صار في العشرين من عمره قرر أن ينتقل من الحياة المزرية الموزَعة بين التسكع والسجون التي كان يعيشها إلى حياة أفضل، فدخل مدرسة العرائش ليتخرج منها معلمًا، ونشرَ أول قصة له في عام 1966م تحت عنوان العنف على الشاطئ في مجلة الآداب اللبنانية، بعد حصوله على التقاعد النسبي فرَّغ نفسه للكتابة والأدب، عملَ في المجال الإذاعي من خلال العديد من البرامج الثقافية التي أعدَّها وقدمها في طنجة حيثُ قضى معظم أيام حياته، لم يتزوج أبدًا لأنه كان يخاف أن يمارس على أبنائه نفس الظلم والقهر الذي تعرض له، توفي في عام 2003م

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/c6qh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top