حاوره: فايز أبو عيد
5 تموز 2011
بتاريخ 29/5/2006 تسلم النائب المقدسي أحمد عطون من وزير الداخلية الإسرائيلي قراراً ينص على سحب حق الإقامة المقدسية منه ما لم يستقل من المجلس التشريعي. وبتاريخ 29/6/2006 أي بعد شهر، جرى اعتقاله. عقب خروجه من السجن وفي تاريخ 3/6/2010م سلمته شرطة العدو قراراً بمغادرة مدينة القدس قبل تاريخ 3/7/2010. وهو ذات القرار الذي تسلمه النائبان محمد أبو طير ومحمد طوطح والوزير خالد أبو عرفة. اعتقلت سلطات الاحتلال النائب محمد أبو طير غداة 30/6/2010، وقبل توجهها لاعتقاله لجأ النائب أحمد عطون وزملاؤه إلى مقر البعثة الدولية للصليب الأحمر للاعتصام والاحتجاج على قرار الاحتلال بإبعادهم، ولا يزالون معتصمين حتى هذا التاريخ. بعد مضي عام على اعتصام نواب القدس في مقر الصليب الأحمر في القدس، احتجاجاً على القرار والقانون الإسرائيلي.
اللاشرعي وغير القانوني والمخالف لكل الأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية، «العـودة» حاورت النائب المقدسي أحمد عطون أحد النواب الأربعة المهددين بالإبعاد. وفيما يأتي نص الحوار:
«العـودة»: لماذا يلجأ الكيان الصهيوني إلى انتهاج سياسة إبعاد الشعب الفلسطيني بشكل عام والمقدسي خصوصاً؟
الحقيقة أنّ سياسة الإبعاد عن الأرض (سياسة قديمة جديدة) ينتهجها الاحتلال، فالاحتلال الإسرائيلي الذي قام في عام 1948 بتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين وإبعادهم عن أرضهم, ما زال منذ بداية نشأته يضع الاستراتيجيات والسياسات والميزانيات لتغيير واقع مدينة القدس, وما زال يحلم بتحقق آماله في أن يرى مدينة القدس يهودية المعالم والسكّان مفرغة من أهلها وأصحاب الحق فيها، وما زال الاحتلال من يمينه إلى يساره يُجمع على فرية أنها العاصمة الأبدية لدولته الباطلة، ويعمل على تحقيق ذلك جهاراً نهاراً، لا يراعي أحقيّةً لإنسان ولا حُرمةً لمقدّس فمنذ احتلال القدس عام 1967 حتى اليوم لم يسلم من اعتداءات الاحتلال حجر ولا شجرٌ ولا بشر, حتى الأموات طالتهم هذه الانتهاكات ويبدو ذلك جليّاً في ما يحدث بمقبرتَي (باب الرحمة ومأمن الله) حيث باتت تقام متاحف للتسامح على رفات موتى المسلمين. هذه السياسات وغيرها تهدف إلى تزوير هوية المدينة وتهجير أهلها منها، والقضاء على كل ما له رمزية إسلامية وعربية في المدينة، فكان على رأس هذه السياسات ما يهدف إلى اقتلاع الإنسان المقدسي وطرده من أرضه وإحلال قطعان المستوطنين مكانه، ابتداءً بإخطارات هدم البيوت المتزايدة، مروراً بمصادرة الأراضي والممتلكات. والقائمة تطول بالانتهاكات صباح مساء، وليس آخرها محاولات إخلاء المدينة من رموزها وقادتها ومشايخها الذين يدافعون عنها ويقفون في وجه سلطات الاحتلال ويفضحون مؤامراته. وهذا الإبعاد الذي نتعرض له نحن نواب القدس ووزيرها السابق هو الأخطر من بين تلك الاعتداءات، فإبعاد نواب الشعب الفلسطيني المقدسيين بحجّة عدم ولائهم لدولة الاحتلال وما لذلك من رمزية تنذر بخطرٍ محدق بالمدينة وسكانها الأصلاء، فإن هدموا لنا بيتاً في مدينة القدس فسنقيم الخيام على أنقاضه ونبني بيتاً آخر، لكن إن طردوا الإنسان المقدسي وأبعدوه عن مدينته، فعن أيّ قدسٍ سنتحدّث عندها؟ ومن سيدافع عن قدسنا وأقصانا ووجودنا إن استطاعوا أن يفرغوا المدينة من سكانها لذلك, فهذا الملف هو العامل الأخطر في حسم مصير المدينة المقدّسة.
«العـودة»: هل قرار الإبعاد له سند قانوني أم هو قرار سياسي بامتياز؟
الاحتلال الإسرائيلي سعى منذ سنين طويلة إى تطبيق قوانين الطوارئ التي وضعت من زمن الاحتلال البريطاني وبقي الشعب الفلسطيني يعاني من أثرها حتى اليوم، لذلك حتى الإبعاد سوّغوا له قراراً وأوجدوا له قانوناً. فالاحتلال يملك المؤسسة القضائية والتنفيذية والتشريعية في سبيل تطبيق قراراتهم وتحقيق غاياتهم الظالمة، لذلك ليس هناك داعٍ لإيجاد المسوّغ، لكن الحسم في قضيتنا ما أجمعت عليه الشرائع والقوانين السماوية والأرضية، هذا الإجراء الظالم لا تقبله شريعة ولا يقبله أيّ إنسانٍ حر. وكذلك الاتفاقيات الدولية، فاتفاقية جنيف تنص بصراحة على أنه لا يحق للاحتلال طرد المواطنين ولا الاعتداء على أرضهم ولا تغيير معالم الأرض، وكل الهيئات والشخصيات العالمية التي زارتنا في خيمة الاعتصام تؤكد وتقول إن هذا الإجراء مخالف للقانون وإجراء عنصري لا أخلاقي، فهو إجراء احتلالي سياسي بامتياز مع تأكيدنا أن الاحتلال ليس بحاجة لإيجاد مسوغات للقيام بأي انتهاك أو اعتداء بحقنا على الأرض، سواء هدم البيوت أو قتل الناس في الطرقات وكذلك إبعادنا.
«العـودة»: هل تعتقد أن المقدسيين الفلسطينيين أصبحوا رهائن بأيدي الكيان الصهيوني؟
الحقيقة أنّ الشعب الفلسطيني كله رهينة لدى الاحتلال الإسرائيلي، وأكبر دليل على ذلك هو قيام الكيان الغاصب بحصار مدينة غزة، فأغلق المعابر وفرض سيطرته عليها، يمنع من يشاء من أن يغادر ويسمح لمن يشاء، يعتقل متى يشاء، ويقتل متى يشاء ويهدم بيوت من يشاء، دون رادع أو محاسب. فالشعب الفلسطيني كله رهينة بيد الاحتلال، وبالأخص الشعب الفلسطيني في مدينة القدس، فالمقدسيون يعانون صباح مساء من ممارسات الاحتلال العدائية من هدم للبيوت واعتقال وقتل وتنكيل مستمر، وكذلك منعهم من الوصول إلى أماكنهم المقدسة وفرض قيود على ممارستهم لشعائرهم الدينية في أماكن عبادتهم، سواء المسيحيون أو المسلمون، وكذلك من خلال فرضه للضرائب الباهظة كيفما شاء على أهل المدينة وتضييق عيش المقدسيين على أرضهم.
«العـودة»: هل تعتقد أن الحراك التضامني معكم كاف للضغط على الكيان الصهيوني كي يتراجع عن قراره؟
أؤكد وأكرر مرة ثانية أننا ما زلنا نعاني من ازدواجية المعايير بالنسبة إلى تعامل المجتمع الدولي معنا. فالشعب الفلسطيني منذ 63 عاماً ينتظر تطبيق قرار أممي واحد نصرةً للشعب الفلسطيني ولم يطبق حتى الآن، بينما في الطرف الآخر هناك ميزانيات ضخمة وسياسات داعمة له بقراراتها وتأييدها في المحافل. فكيان الاحتلال كان قد أنشئ بقرار أممي، نحن لسنا ضد المجتمع الدولي إن كان يتعامل معنا ومع قضيتنا بموضوعية ومن غير ازدواجية في المعايير ومن غير انتقاصٍ من شأننا، واحترام حقوقنا، فنحن شعب لنا حقه وتاريخه ونضاله، كذلك فأننا على ثقة بأنّ الحقوق تنتزع انتزاعاً ولا تستجدى استجداءً، فنحن لا نستجدي عطف أحد، لا منظمات دولية ولا منظمات حقوقية ولا غيرها. حقنا طبيعي تاريخي وديني وحضاري متأصل، فاللاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، ولأسرانا الحق في أن يطلق سراحهم ليعودوا إلى ميادينهم ويدافعوا عن أوطانهم ضد الاحتلال، حتى تحرير فلسطين كل فلسطين والقدس عاصمةً لها, ونحن لا نعرف القدس إلا قدساً واحدة مهما غيروا فيها، وتلاعبوا في مسمياتها. وصراحةً نحن نجد قصوراً كبيراً لدى كثير من الأطراف تجاه قضيتنا، سواء المنظمات الحقوقية والإنسانية أو حتى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فما زال بوسعها الكثير لتبذله لنصرة المقدسيين ودعم وجودهم، وكذلك وضع حد لقضية الإبعاد. حتى الخطاب السياسي، فلا خطاب واضحاً يرقى لتطلعاتنا نصرةً للقدس وأهلها.
«العـودة»: هل برأيك قضية الإبعاد نالت حقها من ناحية التغطية الإعلامية أم كان هناك تعتيم إعلامي على هذه القضية؟
نحن ندرك ونفهم الواقع جيداً، وندرك أن هناك تغيرات حاصلة في محيطنا العربي طفت على السطح، وأنّ هناك أولويات في التغطية الإعلامية. مع ذلك، نعتقد أن البوصلة يجب أن لا تتوه وأن القدس يجب أن تبقى حاضرة في كل وقت، ولا تغيب عن العمل الاعلامي، ولا عن كافة شرائح العمل المهني والحزبي والسياسي وأن تظل حاضرة شعبياً وثقافياً. ولكن للأسف نقول بمرارة، إن هناك تهميشاً وإن القدس لم تُعطَ حقها من التغطية الإعلامية، وبالأخص الملف الذي نعيشه ملف الإبعاد، الذي لا يتعلق بشخوصنا، بل إبعاد هذا الملف وخطورته على وجود الإنسان المقدسي، وصموده على أرضه. إننا نأمل أن يكون هناك في المستقبل القريب حضور أقوى لقضايا القدس والمقدسيين من دون أيّ انحراف في البوصلة عن الهدف، بحيث يكون هذا الحضور لائقا بعمق قضية القدس والمسجد الأقصى بالنسبة إلى الأمة العربية والإسلامية.