فايز أبو عيد- بيروت- سكاي نيوز عربية
“ودع بشار إبراهيم إن الركب مرتحل، وهل تطيق وداع من تحب أيها الرجل”.
غادرنا الباحث والناقد السينمائي الفلسطيني البارز بشار إبراهيم عن عمر ناهز 54 عاما، بعد صراع المرض في دبي التي كان يعيش فيها أخيرا.
وغيب الموت إبراهيم في الذكرى 41 ليوم الأرض الفلسطيني، فبكته مدن الغربة قبل أن تبكيه المخيمات, التي خرج منها إلى بلاد المنفى, وهو يتحسس عذاباته وهواجسه وأمنياته في العودة إلى أرض فلسطين.
رحل بشار إبراهيم الناقد السينمائي والإعلامي الفلسطيني السوري الذي ولد في الثالث من أغسطس 1962 في مخيم دنون، أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق بجسده، إلا أن روحه بقيت تهيم في محراب عشقها ورائحة ترابها.
فكانت لأعماله وكتاباته نكهة ومتعة خاصة، يعزف من خلالها على أوتار التاريخ والتراث والثقافة والتمسك بالجذور والهوية من خلال نبش الذاكرة المنسية وتقديمها بطريقة دراماتيكية مؤثرة تبقى في الذاكرة كالجمرات التي يشعلها ضوء الوعي.
اسألوا بشار
وقال المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في معرض حديثه لسكاي نيوز عربية عن بشار إبراهيم “إن بشار الذي عرفنا وحفظنا وعايشنا حتى في أزقة مخيمات اللاجئين في فلسطين التي لم يدخلها وفي مخيمات لبنان وسوريا والأردن.
“كنا نلتقي به ونسأله عنا وكعادته داعما مؤازرا مواسيا ساخرا، ودائما ينطلق فرحه وضحكه لأسباب تميزه مثل حصوله على نسخة فيلم كان يحلم بمشاهدته أن كتاب بقراءته أو أغنى أرشيف السينمائي الخاص بمعلومات جديدة ونادرة عن السينما الفلسطينية من بدايتها حتى رحيله”.
وأضاف المشهراوي “عندما كنا نختلف حول عنوان فيلم فلسطيني أو سنة إنتاجه وعرضه الأول أو اسم المخرج والمنتج أو تفاصيل صغيرة مثل أسماء الممثلين المشاركين والتقنيين، دائما كان ينتهي الجدل بعبارة (اسأل بشار إبراهيم)”.
خاتما حديثه شكرا بشار، شكرا لأنك أنت كما أنت، كما كنت وستبقى ظاهرة فلسطينية جسدت مفهوم العلاقة مع الوطن، السينما والحياة.
فلسطين عنده لا تقبل القسمة
أعتبر الدكتور والإعلامي والباحث بسام رجا أن الكتابة عن بشار إبراهيم ليست بالمهمة السهلة، مشيرا إلى أن بشار من أولئك الذين صهروا اللغة وزينوها بالغناء الفلسطيني ، وكخيول الصباح أطلق جدائل الصهيل للأرض لتستعيد صباحات الغربة والاقتلاع.
وأضاف رجا أن سنوات مضت على لقائه الأول ببشار في عام 1980، حيث عاد والتقى به مجددا في عام 1984، واصفا بشار بأنه فتى أسمر الصباحات في عيون لوزية ترتدي هضاب الخالصة في قلب طري لا يعرف الكراهية مبتسم بضحكة مجلجلة أحيانا أعطته حضورا يسرق قلوب أصدقائه.
منوها إلى أن “بشار لا يجامل في الصداقة، ولا يعرف إلا لغة الوفاء, عذب كماء طبريا, عميق كعمق فكرة الانتماء للوطن. فدائي في موقفه الوطني. فلسطين عنده لا تقبل القسمة”.
وعن تجربة بشار الشعرية قال الدكتور رجا إن الشعر كان سره وربما كنت أول من قرأ قصيدته الأولى التي كتبها على دفتر صغير، يومها قلت له بشار أنت تكتب بلغة الغياب والوجع وتستحضر البلاد كأنها الآن تستقبلنا ابتسم يومها وقال “بذهني مشاريع كثيرة”.
وأضاف الإعلامي الفلسطيني رجا “سألته ذات لقاء، بشار كم أنت مولع بالسينما؟ أجابني مبتسما: سترى. وكانت البداية لم يترك فيلما فلسطينيا وعربيا عن فلسطين إلا وشاهده. بل أصبح بيته في مخيم خان دنون مكتبة لكل من يبحث في تأريخ الفيلم الفلسطيني أو العربي وحكاية الصراع.
سيبقى حيا في ذاكرة أحبابه
شدد الكاتب والباحث والإعلامي علي بدوان على أن بشار إبراهيم، الممتلئ حيوية، المنطلق، الفلسطيني القح، الفلسطيني السوري، ابن مخيم دنون في ريف دمشق الجنوبي، وابن الخالصة الواقعة شمال فلسطين في منطقة أصبع الجليل، الذي رحل لسكونه الأبدي، سيبقى في ذاكرتنا المتخمة، ذاكرة الشعب الفلسطيني، والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
مؤكدا على أنه تعرف منذ سنوات طويلة على بشار، في مسار العمل الوطني المشترك، وفي فترات كانت مليئة بالعمل والكد والتعب، وعلى كل المستويات، فاختار بشار إبراهيم إلى جانب عمله التنظيمي اليومي في صفوف الجهة الفلسطينية التي كان قد انتمى اليها، اختار ميدان العمل الثقافي، والإعلامي، وقد غرق في هذه الميدان على حساب دراسته الأكاديمية في كلية الهندسة المدنية بجامعة حلب.
وأضاف بدوان “رحل بشار إبراهيم عن دنيا الوجود، لكنه سيبقى حيا في ذاكرة أحبابه وأصدقائه، وفي ذاكرة الثقافة الوطنية الفلسطينية، وفي الذاكرة الجمعية لشعبه. له الرحمة ولروحه السكينة والاطمئنان”.
من أبرز النقاد والموثقين العرب
من جانبه اعتبر الباحث والإعلامي نبيل السهلي الراحل بشار إبراهيم من أبرز النقاد والموثقين العرب الذين ساهموا إلى حد كبير في أرشفة نتاجات السينما الفلسطينية في الداخل والخارج وتواجدها في الأفلام العربية والأجنبية.
وأضاف السهلي أن بشار إبراهيم كان يهتم بجيل الشباب وينمي لديهم حس الإنتماء إلى فلسطين، من خلال تشجيعهم وثقل مواهبهم ورفدهم بالأفلام الوثائقية والكتب التي تعنى بالشأن الفلسطيني.
خسرنا ناقدا فذا وحيويا ومثابرا
من جانبه رأى الأديب والكاتب والإعلامي عدنان جابر أن “السينما الفلسطينية والعربية خسرت برحيل بشار إبراهيم ناقدا فذا وحيويا ومثابرا”. بشار إبراهيم كان مخلصا لعمله. كان بمثابة أرشيف متنقل ينهل منه في كتابته وفي نقده. واعترافا بكفاءته تم تعيينه رئيسا لتحرير نشرة مهرجان دبي للسينما.