فايز أبو عيد 

تقع قريتي “جملة وصيصوان” قبالة طبريا من الجهة الشرقية الموطن الأصلي لسكان جملة الفلسطينيين، على بعد 45 كيلومترًا غرب مدينة درعا، حيث تطل جملة على مرتفعات الجولان المحتل من الجهة الشرقية، وتحدُّها من الجنوب قرية عابدين، وناحية الشجرة من الجنوب الشرقي، وقرية نافعة شرقًا، فيما تتاخمها عين ذكر شمال شرق، وصيدا شمالًا. تُشكّل القرية، التابعة إداريًا لناحية الشجرة في محافظة درعا، الجزء الجنوبي من هضبة الجولان الشرقية، وتتربّع على المنحدرات المطلة على وادي الرقاد، حيث تلتقي الحدود السورية الأردنية مع الأراضي المُحتلة.

 قرية جملة وتحديات التوغل الإسرائيلي في حوض اليرموك:

تتوسط قرية جملة، التي يتراوح عدد سكانها بين 5000 و7000 نسمة، منطقةً تجمع بين السحر الطبيعي الأخاذ وصمودٍ إنساني أمام التحديات. وعلى الرغم من جمالها الآسر، تُعتبر نسبة الوجود الفلسطيني فيها أقل مقارنةً بالتجمعات السكانية المجاورة، وهو ما يُعزى غالباً إلى موقعها النائي بعيداً عن مراكز المدن الحضرية. إلا أن هذا العزلة الجغرافية لم تحمِ القرية من تداعيات الأزمات؛ فخلال السنوات الأخيرة، شهدت نزوحاً ملحوظاً، خاصة بين شبابها، نتيجة تدهور الوضع الأمني والاقتصادي الذي بات يهدد نسيجها الاجتماعي. 

وتتصاعد التحديات مع استمرار التوغل الإسرائيلي في المنطقة، حيث شهدت قرية خربة صيصون الواقعة في حوض اليرموك غرب محافظة درعا اقتحاماً اسرائيلياً مساء السبت الماضي، بالتزامن مع تحليق طائرات استطلاع فوق السماء، في مشهدٍ يعكس تصعيداً مقلقاً للانتهاكات. 

لم ينتظر الأهالي طويلاً؛ فخرجوا في مظاهرة حاشدة من قرى حوض اليرموك بريف درعا الغربي ضمّت السوريين والفلسطينيين، رافعين أصواتهم مطالبين بانسحاب قوات الاحتلال من “ثكنة الجزيرة” القريبة من قرية جملة، ومحذرين من مخاطر التمدد العسكري الإسرائيلي على أراضيهم. عبر المتظاهرون عن رفضهم المطلق للاحتلال، ودعوا المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتهم بالضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها واحترام السيادة السورية. 

هذه الأحداث ليست مجرد تفاصيل عابرة، بل جزء من سردية معاناة يومية يعيشها أهالي المنطقة، حيث تتداخل التحديات الأمنية مع صعوبات الحياة اليومية، مما يفرض تساؤلاتٍ ملحة حول آليات حماية هذه التجمعات الفلسطينية المهمشة، ودور الضغط الدولي في كبح سياسات التوسع الإسرائيلي التي تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

*الأسر الفلسطينية في جملة وصيصون وواقعها المهني:

في منطقة حدودية تُجسِّد صمودًا إنسانيًّا فريدًا، تقيم 45 أسرة فلسطينية، تنحدر من عائلات عريقة، منها: 

– عائلات: محمد وخليل الممتدة جذورها في قرى طبريا (الوعرة السودا). 

– عائلات: قاسم والعلي وخلف وأبو حمدة التي تعود أصولها إلى قرية ياقوق في طبريا. 

* التفاصيل المهنية جهدٌ يعكس التحدي:

في محاولة لتسليط الضوء على واقع هذه الأسر واحتياجاتها، تمّ رصد المهن والأعمال التي يزاولها أفرادها، وهي كالتالي: 

– القطاع التعليمي: مُعلِّمان، مدير مدرسة سابق. 

– القطاع الوظيفي والنقل: 8 سائقين، 6 موظفين. 

– القطاع الزراعي والعمالي: 13 مزارعًا، 8 عمال. 

– مهن متنوعة: طيّان، متقاعد، رجل كفيف (يعاني من فقدان البصر). 

كما لابد من الإشارة إلى أحمد عطية قاسم المعتقل الفلسطيني المحرر الذي خرج من سجون الأسد والذي يعتبر واحدا من آلاف الفلسطينيين الذين واجهوا خطر الاعتقال بسبب انتقاد النظام أو الاشتباه بمعارضته، حيث تعرض كثيرون منهم للتعذيب، والاختفاء القسري، والموت تحت التعذيب.

نداء إنساني: دعوةٌ للعون:

هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص كفاح يومي لعائلات تواجه ظروفًا معيشية صعبة في منطقة حدودية تفتقر إلى أبسط الخدمات. تُبرز التنوع المهني “حاجة ماسة “إلى دعمٍ عاجل في مجالات: 

– توفير فرص عمل مستدامة. 

– دعم القطاع الزراعي بتأمين البذور والتقنيات الحديثة. 

– تقديم مساعدات إنسانية (مادية، صحية، تعليمية) خاصةً للمتقاعد والكفيف. 

– دعم التعليم عبر تأهيل المدارس وتوفير مستلزماتها. 

هذه الأسر، برغم شظف العيش، تُجسِّد إرثًا فلسطينيًّا حيًّا يتطلّب منا جميعًا الوقوف إلى جانبها، ليس كرقم إحصائي، بل كجزء من ذاكرة شعبٍ ووطن.

 القرى الحدودية.. نسيج اجتماعي ممزوج بمرارة التهميش:

تعتبر القرية الحدودية نموذجًا حيًا للتماسك المجتمعي، حيث تتداخل الروابط العائلية والعشائرية في نسيج اجتماعي وثيق، تَـخْفِقُ فيه قيم التكافل كقلبٍ نابضٍ. تُوفِّر مدارسها الابتدائية والإعدادية حدًا أدنى من التعليم لأبنائها، لكنها تظل شاهدًا على واقعٍ تتناقض فيه بساطة العيش مع قسوة التحديات. فما بين المرافق الأساسية الهشة والخدمات الصحية المحدودة، يضطر السكان إلى قطع مسافاتٍ شاقة نحو بلداتٍ مجاورة مثل “الشجرة” لسد أبسط احتياجاتهم اليومية، في رحلةٍ تكشف هشاشة البنية التحتية التي تُثقل كاهلهم. 

معاناةٌ لا تُحتمل..

لا تقف معاناة القرى الحدودية عند نقص الخدمات، بل تمتد إلى واقعٍ مريرٍ تفرضه الجغرافيا القاسية. فالقرب من الخطوط الأمامية يجعلها عرضةً لتقلبات الأمن وتبعات النزاعات، بينما تُهمل سياسات التنمية استثمارَها بسبب بُعدها عن المراكز الحضرية. يُضاف إلى ذلك شح فرص العمل، وانهيار الزراعة التقليدية تحت وطأة الجفاف، وانزياح الشباب نحو الهجرة بحثًا عن حياةٍ أفضل، مما يفقد المجتمع دماءه الحيوية. هنا، تتحول الحياة إلى معادلة صعبة: التمسك بالجذور في مواجهة غياب أبسط مقومات العيش الكريم، أو الهروب نحو المجهول تاركين وراءهم ذكرياتٍ وأرضًا تحتضر ببطء

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/iuvk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top