فايز أبو عيد
يتهيأ المسلمون في مشرق الدنيا ومغربها لاستقبال موسم فريد من مواسم الخير والبر، وتتوجه قلوب مئات الملايين من الناس إلى الحق سبحانه وتعالى. ولا يختلف شهر رمضان عند اللاجئ الفلسطيني عن باقي المسلمين؛ فلشهر رمضان عند الفلسطينيين، وخاصة اللاجئين منهم، نكهته وأجواؤه الخاصة الممزوجة بألم الغربة والتهجير وأمل العودة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها عنوة عام 1948؛ إذ يحلّ رمضان هذا العام على اللاجئين الفلسطينيين في سورية مثقلاً بالهموم والمتاعب وغلاء الأسعار وعدم الاستقرار والأمان، وكل ذلك مرده إلى الأزمة التي تعصف بأرض دمشق الفيحاء وما سببته من قتل وتشريد ونزوح لآلاف العوائل السورية والفلسطينية إلى القرى والبلدات المجاورة والمخيمات الفلسطينية القريبة منها والبعيدة. وهنا لا بد من التساؤل: كيف يستقبل اللاجئ الفلسطيني القاطن في سورية شهر رمضان، وما هي المصاعب والمتاعب التي يواجهها جراء غلاء الأسعار وفقر الحال والتشرد من مكان سكنه ليقيم عند أقاربه أو أبناء شعبه في المخيمات الفلسطينية؟ أبو مصطفى لاجئ فلسطيني في الثمانين من عمره يقطن في مخيم درعا ترنو عيناه إلى السماء وهو يتكأ على عصاه. تعود به الذاكرة (إلى رمضان أيام البلاد)، فيقول: “كان لصوم رمضان في فلسطين طعم آخر؛ فأنا أذكر كيف كانت القرية برمتها تتبادل التهانئ بقدوم رمضان، وكيف كان أهل القرية يتبادلون الزيارات بعد الفطور وصلاة التراويح. إنها ذكريات جميلة لا يمكن أن تمحى من مخيلتي. ويردف الحاج أبو مصطفى قائلاً: لكن لرمضان هذا العام نكهة مؤلمة؛ فقد أجبرنا على ترك بيوتنا، وكل ما نملك وغادرنا مخيم درعا مرغمين بفعل تداعيات الأزمة السورية. ويضيف: وكأن التاريخ يعيد نفسه، وكأنه مكتوب على الشعب الفلسطيني أن يظل مشرداً لا يعرف معنى للاستقرار والراحة. ويتساءل أبو مصطفى الذي يعيش الآن في بيت أحد أقاربه في مخيم الحسينية هو وعائلته المكونة من اثني عشر فرداً: إلى متى يظل حال اللاجئ الفلسطيني مرهوناً بالتداعيات السياسية التي تمر بها البلاد العربية؟ أما آنَ لهذا اللاجئ أن يعرف طعم الأمان والاطمئنان، لحين عودته إلى دياره التي أُخرج منها من دون إرادة منه؟
فؤاد شاب فلسطيني من قرية نمرين لا يعرف من طقوس رمضان في فلسطين إلا ما سمعه من جده وأبيه، لكنه في الوقت عينه يعلم علم اليقين بأن صوم شهر رمضان على أرض فلسطين له معنى مختلف. ويتمنى فؤاد أن يصوم العام المقبل في قريته وهي محررة هو وكل اللاجئين الفلسطينيين الذين حرموا العودة إلى تراب فلسطين.
أما الحاج أبو توفيق الذي يعيش في مخيم السيدة زينب، والذي يبلغ من العمر (72 عاماً) فيقول: «كنت صغيراً، لكن طقوس رمضان في فلسطين لا تزال في ذاكرتي. أما اليوم، بعد 64 عاماً على اغتصاب فلسطين، فإننا في كل رمضان ندعو الله عز وجل أن يعيدنا إلى منازلنا وديارنا في فلسطين.
الحاج أحمد محمد عوض حميد، من قرية دلتا مواليد عام 1932، قال: “عندما يأتي رمضان، فإن المشاعر لدي تختلط ما بين السرور والبهجة بقدوم شهر المحبة والمودة والتسامح والبركة، لكن في الوقت نفسه لهذا الشهر في قلبي أشجان، لأنه يذكرني بفلسطين وكيف أنني غادرت ترابها ولم أعد إليها حتى الآن. هذا الأمر يجعل في قلبي غصة وأشعر بالألم الشديد، ولكن الذي يخفف عني غربتي أنني أعيش مع عدد كبير من الفلسطينيين في مخيم اليرموك، ومن ضمنهم معارفي وأصدقائي الذين أبادلهم ويبادلونني الزيارات، ونتذكر الأيام التي قضيناها في فلسطين. ويضيف الحاج أحمد: أما لو سألتني: هل أنت مسرور برمضان، بمعنى رمضان الذي كان في فلسطين، فأقول لك: لا والله، إن رمضان في فلسطين له نكهة خاصة والتواد والألفة أكثر من بلاد الغربة والشتات، والسبب في ذلك يعود إلى انقطاع الروابط العائلية والرحمة بين الناس، بينما كانوا هناك متواصلين متراحمين في ما بينهم، تشعر بأنك فرد من أفراد أية عائلة تزورها وتدخل عليها.
وعن دور الهيئات والجمعيات ومؤسسات الأهلية في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين تضرروا حتى وصل الحال ببعضهم إلى مرحلة العوز الحقيقي نتيجة الظروف التي رافقت الأزمة في سورية من بطالة وارتفاع للأسعار وجشع وطمع تجار الدم، هؤلاء الذين همهم الأوحد تحقيق المزيد من الأرباح والغنى الفاحش، ولو على حساب أرواح الآخرين، فقد بيّن أحمد أبو حمزة، المدير المالي للهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيني، أن سكان مخيم اليرموك أبوا إلا أن يقتسموا مع إخوتهم المتضررين كسرة الخبز والمسكن. وأضاف أن الأوضاع الراهنة في سورية وما يجري فيها انعكست سلباً على السوريين واللاجئين الفلسطينيين، لذلك كان لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والهيئات الخيرية دور مهمّ في إغاثة المنكوبين والفارين من جحيم هذه الأزمة. ويضيف: لذلك أطلقنا حملة تحت عنوان “حملة الإغاثة العاجلة”، هدفها مساعدة العائلات المنكوبة والمتضررة في المحافظات السورية والمخيمات الفلسطينية والموجودين حالياً في مخيم اليرموك وما حوله، ونحن لدينا مشاريعنا التي نساعد بها اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية؛ ففي كل رمضان نقيم إفطاراً جماعياً للأيتام والفقراء منهم.
ويرى مروان زيتونة، وهو لاجئ فلسطيني من قرية الجاعونة (45 عاماً)، أن رمضان هو رمضان في أية بقعة من الأرض، لكن الصوم في أرض مهد الرسالات والأنبياء يكون له طعم ومذاق آخر، هي أرض الوطن التي نتطلع للعودة إليها في أقرب وقت ممكن.
للحديث عن شهر رمضان روافد لا تنضب عن المغفرة والتعفف والصفاء والإحسان والصحة، تمضي أيام الشهر الفضيل وليله ولا تكاد قلوب المسلمين عامة، واللاجئ الفلسطيني خاصة، تأنس إليه وتعتاده، حتى يؤذن مؤذن العيد بالوداع، معلناً قدوم عيد الفطر السعيد فيحتفل اللاجئون كغيرهم ويتزاورون بعد زيارة قبور موتاهم الذين دفنوا بعيداً عن تراب وطنهم، مودعين بذلك شهر الخير والبركة والسكينة، وكلهم أمل بأن حالهم ستتحسن، وأن الأزمة في سورية ستنجلي، والأمل يراودهم بأن شهر رمضان المقبل سيصلّونه في المسجد الأقصى على أرض فلسطين، وأنهم للعودة أقرب من أي وقت مضى.