فايز أبو عيد – مجموعة العمل
أي ذنب أقترف؟ أهكذا يكون مصيره؟ الموت مرضاً وقهراً وكمداً، لقد فتح موت اللاجئ الفلسطيني “عمار الصمادي” ابن مخيم اليرموك في تركيا أسئلة مؤرقة قاسية تضرب عميقًا، في ثنايا الروح والعقل، وتنكئ الجرح وتدمي القلب.
موت عمار أتى ليضيء جرح الأسئلة بملح يتعمّد الحفر عميقًا، عازفاً على إيقاع الألم فاتحاً السؤال على احتمالات المستحيل والصارخة ألف لا للظلم والجور الواقع على الفلسطيني السوري الذي تتالت عليه النكبات والمحن، وبات مشرداً لا سند أو حامي له.
ثمة ما هو تراجيدي ومبكي في قصة عمار الذي وجد نفسه المسؤول الوحيد عن شقيقه إبراهيم الذي أصيب بحادث سير، تسبب له في شلل دماغي، فأصبح عمار هو الأب والأخ والأم والممرض خصوصاً مع هجرة كافة أفراد عائلته إلى أوروبا لطلب الأمان والحياة الكريمة جراء الحرب التي اندلعت في سورية.
ضاقت الأرض بما رحبت بعمار وهو يرى شقيقه يذوي أمامه ويتألم ولا يستطيع فعل أي شيء له، قرر عمار أن يخوض غمار البحر للوصول إلى الدول الأوروبية لعلاج شقيقه، وصل إلى تركيا وكل أمله أن تكون محطة انتظار مؤقتة ليتنقل بعدها إلى اليونان ومن ثم أوروبا لعلاج شقيقه، إلا أنه لم يحالفه الحظ وبقي في تركيا لمدة طويلة، وهذا ما جعل ضغوط الحياة تزداد عليه، خاصة أنه بات بلا عمل وإقامة قانونية نظامية في البلد، ناهيك عن ثمن علاج شقيقه ومصاريف تكاليف الحياة في تركيا، إضافة للأمراض المزمنة التي كان يعاني منها منذ عام 2012.
لم يتوقع “عمار الصمادي” الذي كان يقوم على رعاية شقيقة إبراهيم العاجز الفاقد لتوازنه، والقدرة الطبيعية على الكلام والحركة، الناجمة عن تعرضه لحادث سير، منذ عدة سنوات، أن يكون وضعه ومصيره أسوأ من أخيه وأن يكون بحاجة لمن يعيله ويقوم بخدمته، جراء إصابته بشلل سفلي نتيجة سقوطه يوم 14 أذار/ مارس 2020 من شرفة المنزل الذي يقطنه في شارع الوطن بمنطقة الفاتح ، حيث قبع ابن مخيم اليرموك في إحدى مشافي اسطنبول، وهو غير قادر على الحركة فاقد الأمل في العودة إلى حياته الطبيعية.
لم يكن المرض وآلامه، هما فقط اللذان فتكا بجسد عمار في رحلة علاجه الطويلة التي دامت أشهر عددية، بقدر ما كان نتاج تراكم القهر.. القهر الذي لازمه حتى لحظاته الأخيرة، على مصير شقيقه إبراهيم الذي بقي وحيداً في المنزل وما سيواجه من مصير غامض بعد أن فقد السند والمعيل، وعلى ما حل به من نائبات ومصائب وسط تخلي جميع الجهات الاغاثية والحقوقية والإنسانية عنه وعدم مساعدته للوصول إلى بر الأمان.
رحل الشاب “عمار الصمادي” الذي كان ضحية خذلاننا جميعاً، وكأن برحيله يعيدنا إلى رؤية غسان كنفاني الثاقبة للأمور، ويسوقنا إلى السؤال الذي نكأ به جرحنا صارخاً “لماذا لم يقرعوا الخزان” مبرزاً أفقاً جديداً لأسئلة جارحة ضبابية مبهمة الملامح تعري اللحظة وتمسك الروح من لجامها الذي لا ينفك.
وأخيراً أقتبس هذه العبارة لأحد الكتاب والتي أصابت كبد الحقيقية وعبرت بوضوح عما حل ويحل باللاجئ الفلسطيني السوري الذي حاول قرع الخزان إلا أن أحداً لم يستمع له وتجاهله ولم يكترث لمأساته ومعاناته، حيث قال : ” لا أعرف من قال إنّ الإنسان لا يموت دفعة واحدة، وإنما يموت بالتقسيط، فمع كل قهر وحزن وخيبة وفقدان يموت شيء داخلنا، وهكذا يراكم الموت خطواته داخل أرواحنا إلى أن تصبح نسبة الموت أقوى من نسبة الحياة؛ فيحصل الموت النهائي الذي نظنّ أنه جاء فجأة كالحب، في حين أنه كان يعيش معنا، ملازمًا لكل خطوة، منتظرًا لحظة الفتك بأحلامنا.