عانى الفلسطينيون في تسيل من ويلات الحرب باكراً، حيث كانت البلدة من أوائل المناطق التي واجهت آلة الحرب الهمجية لقوات النظام السوري البائد، حيث تعرضت للقصف المكثف بقذائف الهاون والبراميل المتفجرة والغارات الجوية، مما جعلها تلقب بـ “خنساء حوران” بسبب حجم الدمار والمعاناة التي عانت منها.
يقول محمد النمريني، أحد أبناء البلدة الفلسطينيين الذين انضموا إلى الثورة السورية منذ بدايتها: “تسيل كانت من أوائل البلدات التي تعرضت للقصف بصواريخ أرض-أرض من نوع سكود، خاصة أثناء محاولة مقاتلي الجيش الحر اقتحام تل الجموع، الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة”، وأضاف: تعرضت البلدة لأكثر من 200 برميل متفجر وأكثر من 200 غارة جوية، بالإضافة إلى قصف متواصل بقذائف الهاون والمدفعية.
مضيفاً أن بلدة تسيل دخلت كغيرها من بلدات درعا في جنوب سورية أتون ذاك الصراع، فقد انطلقت أول مظاهرة فيها بتاريخ 20/3/2011 واستمرت البلدة في مظاهراتها حتى بعد قيام العمل المسلح، الذي يعود ظهوره المنظم إلى شهر نوفمبر2011
حملات أمنية وعسكرية
في حين تعرضت البلدة لخمس حملات أمنية وعسكرية، الأولى بتاريخ 2/7/2011، الثانية بتاريخ 14/9/2011، الثالثة بتاريخ 16/9/2011، الرابعة بتاريخ 8/2/2012 حيث تم اقتحام البلدة وقصفها بالدبابات والبي ام بي وإطلاق النار العشوائي واعتقال عدد كبير من المدنيين وسرقات كبيرة للممتلكات الخاصة بالإضافة إلى حملة حرق للمنازل والمحال التجارية، ودامت هذه الحملة نحو أسبوع كامل. الحملة الخامسة كانت بتاريخ 1/6/2012 ونجم عنها حرق وتكسير وتخريب البيوت والممتلكات العامة والتنكيل بالمدنيين.
أما في عام 2014 تعرضت بلدة تسيل في ريف درعا الغربي لقصف عنيف براجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة من قوات النظام، وتسبب ذلك في نزوح السكان عن البلدة حيث أقاموا في خيام نصبوها في الحقول المجاورة.
سيطرة داعش
لم تتوقف معاناة الفلسطينيين في تسيل عند هذا الحد، ففي عام 2016، وقعت البلدة تحت سيطرة تنظيم داعش، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، عاش الفلسطينيون تحت وطأة واقع صعب، اضطر معه الكثيرون إلى النزوح إلى القرى المجاورة بحثاً عن الأمان ومع ذلك، ظلت البلدة متمسكة بخطها الوطني، حيث لم تتنازل عن قيمها رغم كل التحديات.
كان تحرير تسيل من قبل الجيش الحر في عام 2017 علامة فارقة، حيث كانت البلدة من أوائل المناطق التي تم تحريرها من قبضة التنظيم، هذا الحدث كان بداية النهاية لتنظيم داعش في درعا، حيث بدأت القرى والبلدات المحيطة بالتساقط واحدة تلو الأخرى، لتنتهي حكاية التنظيم في المنطقة.
اتفاق التسوية
عام 2018، خضعت تسيل، مثل باقي بلدات درعا، لاتفاق التسوية الذي أبرمته قوات النظام مع فصائل المعارضة، ومع دخول قوات النظام إلى البلدة، عادت المخاوف القديمة إلى قلوب السكان، خاصة الفلسطينيين الذين عانوا من سياسات النظام القمعية لسنوات طويلة، ومع ذلك، استمر أهالي تسيل في الصمود، متمسكين بأمل التغيير.
بلغ عدد معتقلي البلدة منذ بداية الثورة نحو ألف معتقل، بينما يبلغ عدد المعتقلين المختفين قسراً ولم يتم العثور عليهم حتى لحظة كتابة هذا التقرير نحو أربعين معتقلاً بينهم عدد من اللاجئين الفلسطينيين.
تنفس الصعداء
عندما أُعلن عن سقوط نظام الأسد في تشرين الأول/أكتوبر 2024، تنفس الفلسطينيون في تسيل الصعداء، غمرت الفرحة قلوبهم بعد سنوات عجاف من المعاناة، حيث عاد الأمل بالحياة الكريمة والحرية، وشعروا بأن هناك نوراً في نهاية النفق، وزادت لديهم ترسخ القناعة بأن كل طاغية وظالم زائل لا محالة، وأنهم سيواصلون النضال من أجلها ومن أجل مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.
وتشير دراسة أجريت عام 2014 إلى وجود 46 أسرة فلسطينية في البلدة، بلغ عدد أفرادها 258 شخصًا. ومع ذلك، انخفض هذا العدد بعد سيطرة تنظيم داعش على البلدة عام 2016، ليعود ويتزايد بعد توقف الحرب عام 2018، ومع سقوط نظام الأسد الفار، يتطلع الفلسطينيون إلى عودة المهجرين إلى بلدتهم.