فايز أبو عيد 

حيُّ السّحاري أو كما يُسمّى إداريّاً بحيّ حطّين، هو أحدُ أحياء درعا المحطّة في مدينة درعا، يقع في الجهة الغربيّة لمدينة درعا، ويُقدّر عددُ سكّانه بحسب مصادرَ محلّيةٍ بأكثرَ من عشرة آلافِ نسمة، يتميّزُ بموقعٍ استراتيجيٍّ مُهمٍّ يُشرف من خلاله على وادي الزّيديّ.

ماذا عن اللاجئين الفلسطينيين في حيّ السّحاري؟

لابدّ من الإشارة إلى أنّ هناك عدداً كبيراً من الفلسطينيين الذين كانوا من أوائل مَن سكنوا حيَّ السّحاري وقاموا بإعماره، وهم في غالبيتهم من مناطق حيفا، صفدَ وطبريّة ممَن لجؤوا لسوريّة عام 1948، وقد انضمَّ إلى هذا الحيّ النازحون من الجولان عام 1967 من السورييّن والفلسطينيين، وقد أخذت أعدادُ الفلسطينيين تكبر يوماً بعد يومٍ في هذا الحيّ الّذي شكّل منطقةَ جذب للاجئين والنازحين من الفلسطينيين والسوريّين، ومنذ اندلاعِ الحرب في سوريّة عام 2011 توافدت إليه أعدادٌ كبيرةٌ من سكّان المخيم، وهؤلاء خرجوا باكراً من المخيّم ليجدوا ملاذاً آمناً من سطوة الحرب .

من العائلات الفلسطينيّة الأصيلة في هذا الحيّ// أبو جعص والصبّاغ ودويك والخليل، الشّيخ قاسم، أبو حوبي، العايدي، الطّريفي، بلال، الوحش، النّابلسي، الغزاوي، أبو عطا، الناصر، أبو عابد، الشّيخ محمد، أبو خالد، الرّديف.

وفيما يتعلّق بأعداد الفلسطينيين هناك، فلا يُمكننا في ظلّ الواقع الحالي، وما يكتنفه من هجرة متزايدةٍ للفلسطينيين إلى أوروبا من إعطاء إحصائيّةٍ دقيقةٍ، إلا أنّ أعدادَ العائلات الفلسطينيّة تكاد تتجاوز 200 عائلة.

وفيما يتعلّق بأوضاع هذه العائلاتِ بين الماضي والحاضر، يمكننا التأكيدُ على أنّ معاناةَ الفلسطينيين في هذا الحيّ لها طابعٌ خاصٌّ، إذ عانى الفلسطينيّون في حيّ السّحاري من ظروف صعبةٍ بحكم موقعهم أو ما يمكن أن نطلق عليه “لعنة المكان” الّذي فرض عليهم وضعاً أمنيّاً خاصّاً، جعلهم يعانون منذ اندلاعِ الحرب في سوريّة عام 2011، وهذا ما كلّفهم خسائرَ في الأرواح وفراق الأبناء والأقارب.

الوضع الأمني

كان حيُّ السّحاري قبل عام 2011 من الأحياء الهادئة الّتي شكّلت مركزَ جذبٍ للكثيرين، وقد قطن هذا الحيَّ كثيرون، ولعلَّ الدافعَ وراء ذلك موقعُه المتاخمُ للمركز التّجاريّ لمدينة درعا، إذ تتركّز على مقربةٍ منه الكراجاتُ والمديريّاتُ والبنوكُ والمراكزُ الثقافيّةُ والمشافي المتاخمةُ له، كما أنّه في الوقت نفسِه يضمُّ فرعَ الشّرطة العسكريّة بدرعا، ومقرَّ “الفرع 245″ التابع لـ”الأمن العسكريّ” و “اللواء 132 ميكا” التابع لـ”الفرقة الخامسة، ومحلَّ إقامةِ قائد الشّرطة العسكريّة، كما يقع بقربه أيضاً ناديَ الضبّاط فيما لا يبعدُ بيتُ المحافظ عنه سوى أمتارٍ قليلةٍ، ولذلك عانى أهالي الحيِّ منذ اندلاعِ الحربِ واقعاً مأساويّاً لم يعهدوه من قبل، فقد أُغلق الحيُّ من جهاته ونواحيه كافةً لمواجهة قوى المعارضة التي تركّزت في الطّرف المقابلِ لها في أحياء درعا البلد التي انطلقت منها أولى الاحتجاجات الشّعبيّة، ولاسيّما حيِّ الكرك والمنشية، ولم يقفْ الأمرُ عند هذا الحدِّ، فقد ابتُلي حيُّ السّحاري بالحواجز، ومن أبرز هذه الحواجز وأشهرِها “حاجز حميدة الطاهر” الّذي تتبع له نقطتا تفتيش؛ الأولى عند “دوّار الماليّة” والثّانيةُ تسمّى “مدخل حيِّ السّحاري”. وتحيط هذه النقاطُ بحيّ السّحاري.

وقد احتوى الحاجزُ على ما لا يقلُّ من (100) عنصرٍ أمنيٍّ، وهذا الحاجزُ “حميدة الطاهر” لم يكنْ كغيره من الحواجز الأمنيّة والعسكريّة، فقد تطوّر من كونه حاجزاً أمنياً ليصبح مركزاً أمنيّاً ضخماً يحتوي على غرف سريّة تحت الأرض (في قبو معهد آفاق التّعليميّ)، والذي أصبح مكاناً لممارسة أبشع أنواع التّعذيب، وقد قامت الأجهزةُ الأمنيّةُ فيه “بترقيم” سكّان الحيّ بدلاً من الأسماء، حيث يُعرّف الشّخصُ نفسُه من الرقم المنسوب له بدلَ اسمِه الصّريحِ والموجود على الهويّة الشّخصيّة.

ولعلّ أولى مصائبِ الفلسطينيين في هذا الحيّ جرّاء هذا الواقع، تلك الحادثةُ المروّعةُ الّتي طالت عائلة الشّيخ قاسم الفلسطينيّة الّتي كانت تقطن حيَّ السّحاري، عندما قام عناصرُ من حاجز “حميدة” بإعدام ثلاثة شبّان فلسطينيين اثنين من عائلة الشّيخ قاسم والثّالث الحلّاق حيث تواجدِ الشّابين، وحينها ضجّت الصّحفُ ووسائل الإعلام بهذه الفاجعة الّتي لم تتوقّف إذ تمّ اعتقالُ شخصين من العائلة ذاتِها بعد أسبوع على جريمة القتل عام2012.

ومن الظّروف الصّعبة التي عايشها الحيُّ بسكّانه من الفلسطينيين والسوريّين ما كان يتعرّض له من قذائفَ والّتي راح ضحيّتَها عددٌ من الفلسطينيين، وقد سلّطت مجموعةُ العمل الضوءَ على أولئك الّذين قضوا جرّاء القصفِ المتبادلِ بين قوى المعارضة وقوّات الحكومة السّوريّة.

وقد ظلّ هذا الواقعُ الصّعبُ حتّى عام 2018 إذ تمَّ توقيعُ اتّفاقيّةِ التّسوية، والّتي نتج عنها توقّفُ الحرب في درعا، ممّا انعكس إيجاباً على الأهالي ولاسيّما حيِّ السّحاري، فقد تمّ إزالةُ الحواجز “كحاجز حميدة” وتمّ فتحُ الطّرقات وعادت الحياةُ إلى الحي من جديد.

ولدى تواصلنا اليومَ مع بعض الفلسطينيين القاطنين في الحيّ وسؤالهم عن مدى التّغيير الّذي لحظوه منذ توقيعِ التّسوية إلى يومنا هذا، كان هنالك إجماعٌ على أنّ هناك فارقاً كبيراً، فقد عادت الحياةُ إلى الحيّ أخيراً.

(أحمد 25عاما) أكّد أنّه كان يخشى زيارةَ جدِّه وجدِّته في حيّ السّحاري خشيةَ المرورِ من “حاجز حميدة” أمّا اليوم، فصار بإمكانه القدومُ والعودةُ إلى المخيّم بلا خوف.

الوضع التّعليميّ:

لا يمكن أن نُغفلَ كثرةَ المدارس التي تحيط بحيّ السّحاري، فهناك مدرستا حطّينَ وذات النطاقين، وكلاهما للتّعليم الأساسيّ بمرحلته الابتدائيّة، وهناك أيضاً مدرستا تشرين والغربيّة لتدريس البنات بالمرحلتين الإعداديّة والثّانويّة، وهذه المدارسُ هي مدارسُ حكوميّةٌ، وفيما يتعلّق بمدارسِ الأونروا، فأقربُ هذه المدارسِ مدرسةُ “كفركنّا” في “حيّ القصور” وهي لا تبعد كثيراً، إذ يستطيع الطلبةُ الوصولَ إليها سيراً على الأقدام أو بوساطة وسائل المواصلات القريبة من الحيّ، حيث يتواجد الكراجُ الغربيُّ، وقد أكّد أحدُ الطلبة الفلسطينيين من سكّان السّحاري على تعاقدهم مع سرفيسٍ لنقلهم إلى مدرسة “كفر كنّا” في “حيّ القصور” وإعادتهم .

كما أنّ مدارسَ المخيّم هي أيضاً قريبةٌ من الحيّ، ولكنّ تخوّفَ الأهالي من الوضع الأمنيّ في المخيّم يمنع الأهالي من إرسال أبنائهم، ولعلّ انعدامَ وسائل المواصلات إلى المخيّم شكّل دافعاً آخر للحيلولة دون إرسال أبنائهم لتبقى مدرسةُ “كفركنّا” هي الوجهةُ الأفضل لهم.

أما فيما يتعلّق بالدّراسة الجامعيّة، فجامعةُ درعا بكلّياتها المختلفة قريبةٌ من الحيّ، كما أنّ وسائلَ النّقل إليها متوفّرةٌ، ولا تشكّل عائقاً للوصول إليها، وفيما يتعلّق بالدّراسة في جامعة دمشق، فيمكننا التأكيدَ على توفّرِ وسائطِ النّقل المخصّصةِ لنقل الطّلاب إلى العاصمة دمشق.

ويُعتبر الفلسطينيّون في حيّ السّحاري من الفئة المثقّفة الّتي تحرص على تعليم أبنائِها، فهناك الأطباءُ والمهندسون والمعلّمون.

وخيرُ مثالٍ على ذلك، عائلةُ “أبو خالد” هذه العائلة الّتي تملك رصيداً كافيا من المتعلّمين كدكتورة الأسنان “أسماء أبو خالد” والمربّي الفاضل “توفيق أبو خالد” وهو من أوائل مدرّسي الأونروا، وهناك المربّية الفاضلة “سمية أبو خالد” وغيرهم الكثير وهؤلاء من الجيل الأول، وهذا خير دليل على مدى حرص الفلسطينيين على التّعليم، واليوم هناك كثيرٌ من الطّلبة في الكلّيات والمعاهد ولا يمكن حصرهم في عائلة دون الأخرى.

الوضع الصحي

يتمتّع الحيُّ بحكم موقعِه بتركّز كثيرٍ من الأطباءِ والمراكزِ الطبّية في هذا الحيّ، بالإضافة إلى قربِ المشفى الوطنيّ منه، وهناك أيضاً مشافٍ خاصّةٌ “اليرموك والشّفاء”، وقد تعاقدت معهما وكالةُ الأونروا لإجراء العملياتِ المجانيّة للفلسطينيين، بالإضافة للمراكز الطّبيّة الخاصّة بوكالة الأونروا الّتي تقعُ على مقربة من الحيّ في حيّ “الكاشف” بمدينة درعا ومخيّم درعا.

إلا أنّ هناك جانباً بات ملحوظاً بين الفلسطينيين كبارِ السّنِّ ألا وهو شعورُ الكثيرين بالاكتئاب، وسببُه الإحساسُ بالوحدة نتيجةَ هجرةِ الأبناء وفقد الأحباء، وقد أثّرت الأوضاعُ الاقتصاديّةُ الصّعبةُ اليوم على نفسيّاتِ النّاس وعلى مزاجهم العام، ممّا جعلهم ينغلقون على أنفسهم وسط عالمٍ مليء بالتّشاؤم والسّوداويّة.

أبو وائل70 سنة متقاعد، يقضي أغلب وقته بالتّدخين، واضعاً كرسيَّه أمام باب منزله متأمّلاً المارّة، يقول: “كنّا نعيش في الماضي حياةً رغيدةً، لكنَّ الحربَ فرّقتنا وأجبرت أولادَنا على الهجرة”. ويضيف: “الراحة هي أكثر ما نفتقده اليوم”.

الوضع الاقتصادي:

إنّ المشكلةَ الكبرى الّتي تعترضُ الكثير من الفلسطينيين هي ارتفاعُ إيجارات البيوت، فبعد أن كان هذا الحيُّ مكاناً طارداً للسكّان بحكم تركّز عناصر الجيش ولاسيّما عناصرِ “حاجز حميدة”، بات اليوم جاذباً للكثيرين ممّا دفع المؤجّرين لمضاعفة إيجارات بيوتهم بشكل كبير لا يتناسب مع متوسّط الأجور، ممّا ساهم في دفع الكثير من الفلسطينيين إلى الالتجاء إلى بيوتهم المهدّمة في المخيّم.

خالد (55عاماً فلسطيني)، وهو أحدُ سكّان حيّ السّحاري، أكّد مطالبةَ صاحبِ بيته مبلغ 150 دولاراً أميركيّاً كإيجار للمنزل، رغم خوف السكّان من التعامل بالدولار في مناطق الحكومة السّوريّة، وذلك ضمن اتّفاق سرّيّ.

 “أبو رياض فلسطينيٌّ غادر مخيّم اليرموك ليسكن حيّ السّحاري في منزل أخيه الذي التجأ إلى أوروبا، أوضح أن “السّحاري” كان يعيش ظروفًا تختلف عن باقي الأحياء منذ سنوات، فـوجودُ العديد من الثّكنات العسكريّة في محيط الحيّ، جعله عرضةً للقصف العشوائيّ بين الحين والآخر، ممّا جعل الحيَّ فارغاً من سكّانه إلا أنّه اليومَ يبدو مُزدحماً بعد عودةِ ساكنيه إليه.

يعمل سكّانُه من الفلسطينيين الكثيرَ من المهن المختلفة، وقد توارث البعضُ مهناً معيّنةً إلا أنّ بعض هذه المهن قد توقّفت اليومَ بعد عقودٍ من استمرارها، فعائلةُ أبو جعص التي عُرفت في حيّ السّحاري ببيع الحلويات من عوّامةٍ ومُشبّكٍ والتي توارثتها تضطرُّ اليومَ للتوقّف عن العمل بها نتيجةَ غلاءِ الموادّ ومنافسةِ المتاجر الكبرى واستبدالها بمهنة أخرى.

فيما يرى آخرون أنّ فرصةَ العمل في سوريّة لم تعد تفي بمتطلّبات العائلة الّتي تعتمد بشكل رئيسيّ على ما تتلقّاه من مساعداتٍ ماليّةٍ من الأونروا وحصصٍ غذائيّةٍ مفضّلين السّفرَ واللجوءَ لأوروبا بفعل الواقع الصّعب.

وأخيراً، يمكننا القول إنّ إزالةَ الحواجز الأمنيّة من حيّ السّحاري، مكّن الفلسطينيين من الالتقاء بسهولة مع إخوتهم وأقاربهم في الأحياء والمناطق الأخرى في مخيّم درعا والنعيمة وعتمان والتّحرّك بحرّيةٍ بشكلٍ نسبيٍّ لأوّل مرّة منذ توقّفِ صوتِ المدافع والقصف المتبادل، كما ازداد الإحساسُ بالأمان وازدادت الحركةُ الّتي حوّلت حيّ السّحاري من حيٍّ للأشباح إلى منطقة مفعمةٍ بالحياة حتّى وقت متأخر من الليل.

إلا أنّ تردّيَ الوضعِ الاقتصاديّ الرّاهنِ جعل كثيراً من الشّباب الفلسطينيِّ في حيّ السّحاري يلجأ إلى أوروبا ممّا ساهم بتشتّت العوائلِ الفلسطينيّةِ مرّة أخرى.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/ibsw

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top