في عام 2002 دعاني صديقي الصحفي ياسر نعسان لحضور زفاف شقيقه الأصغر، لبيت دعوته أولاً من باب الواجب، وثانيهما لأنني كنت اسمع عن طيب ومروءة وكرم أهل تلك القرية الجميلة الوادعة المطلة مباشرة على أرض فلسطين.
وعن تلك الزيارة يقول الصحفي ياسر النعسان: في ذات الأيام من عام ٢٠٠٢ دعوت أصدقائي وأحبائي من فلسطينيي مخيم اليرموك بدمشق لفرح أخي وصادف ذلك يوم الجمعة حيث حضرنا معا صلاة الجمعة، وكانت المفاجئة أن الشيخ قدم خطبة عصماء عن فلسطين ومأساة شعبها في ظل الاحتلال الإسرائيلي طالبا من الأهالي الدعم السخي لهم، مردفا وعلى سبيل الطرفة قال لي أصدقائي الضيوف كأنك متفق مع الشيخ .
وحول وجود الفلسطينيين في قرية تسيل وعلاقة الأهالي بهم، يشير النعسان إلى أن تواجد العائلات الفلسطينية في بلدة تسيل التابعة لمحافظة درعا يعود لأكثر من ١٢٤ عاما تقريبا حتى أن بعض العائلات التي استوطنت في البلدة منذ ذلك التاريخ أخذت الجنسية السورية، كعائلة اللطيف التي تجاوز عدد أفرادها الألف نسمة تقريبا و كذلك عائلة الصفدي الذين يعودون لمدينة صفد بفلسطين الذين تجاوز تعدادهم الألف نسمة تقريبا وكذلك عائلة الصماخنة الذين يعودون لبلدة صمخ في فلسطين، كما يوجد عائلات استقرت بعد العدوان الإسرائيلي واحتلاله لجزء غالي من فلسطين كعائلة النمريني الذين يعودون لبلدة نمرين بفلسطين وكذلك بيت النوفلي وكذلك عائلة الرشيد وهذه العائلات تعيش جنبا إلى جنب مع إخوانهم السوريين بكل الحب والاحترام والتعاون والمحبة لدرجة أصبح بينهم مصاهرة نسب ويتبادلون بعضهم البعض الواجبات الاجتماعية في الأفراح والأتراح.
مستطرداً، كما ساهم الفلسطينيون في التعليم بالبلدة من خلال بعض المعلمون والمدرسون كالاستاذ نواف الرشيد الذي له فضل كبير وكذلك الاستاذ فتحي النوفلي الذي له أيضا فضلا كبيرا على أبناء البلدة وكذلك الاستاذ خليل الصفدي الذي له أيضا فضلا كبيرا على أبناء البلدة وكذلك الاستاذ عبد الخالق النوفلي الذي له أيضا فضلا كبيرا على أبناء البلدة.
وعن حميمية العلاقات وترابطها بين الشعبين السوري والفلسطيني ومدى مكانة فلسطين في قلوب أهالي قرية تسيل، يستذكر الاعلامي ياسر نعسان حادثة لها أثر بالغ في النفوس، فيقول: في يوم تاريخي، اجتمع وجهاء بلدة تسيل ورياضيوها وجمهور غفير من أبناء البلدة، سوريين وفلسطينيين، على أرضية ملاعب درعا العشبية في 25 سبتمبر 2024، لمشاهدة نهائي بطولة فلسطين للقدامى، وفاز قدامى نادي تسيل على قدامى نادي الشعلة، في مباراة مليئة بالحماس والعاطفة، تسمية البطولة باسم “فلسطين” لم تكن مجرد اسم، بل كانت تعبيراً صادقاً عن الحب العميق الذي يكنه أهالي تسيل لفلسطين، سواء كانوا سوريين أو فلسطينيين.
هذا الحدث الرياضي لم يكن مجرد منافسة رياضية، بل كان احتفاءً بالهوية الفلسطينية التي تجمع أبناء تسيل، ففلسطين ليست مجرد أرض بالنسبة لهم، بل هي رمز للوحدة والصمود. الحضور الكثيف للجمهور، والهتافات التي رفعت باسم فلسطين، كلها دلائل على أن فلسطين ما زالت حية في قلوب الجميع، رغم سنوات النزوح والمعاناة.
وفي هذا المقام يمكننا أن نستشهد بقصيدة للشاعر الفلسطيني أدهم النمريني، ابن بلدة تسيل، الذي عبر عن حبه لفلسطين في إحدى قصائده بعنوان “فلسطيني”، هذه القصيدة ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن روح الشعب الفلسطيني الذي يحمل وطنه في قلبه أينما ذهب، يقول في مطلعها:
“أنا فلسطيني، وطني في دمي،
رغم البعد، رغم النزوح، رغم الألم
فلسطين في قلبي، وفي كل خطوة
هي الحلم الذي لن يتوقف.
بلدة تسيل تبعد عن مدينة درعا قرابة 35 كم، سميت بهذا الاسم لكثرة الأودية التي تسيل في هذا البلدة، وهناك رواية أخرى تفيد بأن ساكني هذه البلدة كانوا من المسيحيين وهي كلمة ذا شقين تِسْ وإيل أي بيت الرب لذلك سميت بهذا الاسم تبلغ مساحة هذا البلدة 5000 دونم، فيما يبلغ عدد سكانها قرابة 23 ألفا، تقع في الريف الغربي لمحافظة درعا، يحدها من الجنوب بلدة سحم الجولان ومن الغرب عين ذكر، ومن الشمال الجبيلية وسد الجبيلية، ومن الشرق مدينة نوى، تشتهر بجسورها الرومانية المقامة على عدد من الأودية المسيلة هناك.
تشكل بلدة تسيل مركز جذب للسائحين، ففيها سد تسيل الذي يقع شمال غرب بلدة تسيل، وكانت تُغذّي مياهه أجزاءً كبيرة من الأراضي الخصبة في بلدة تسيل والقرى المجاورة، إضافةً إلى اعتباره منطقة سياحة واصطياف، خاصةً عند امتلائه بالمياه، وهناك أيضا الغابة الحراجية “الحديقة الوطنية”، الواقعة على أطراف بلدة تسيل.