مأساة جديدة تضاف إلى مآسي فلسطينيي سورية أب يقضي وهو يحتضن ابنته ذات الخمس سنوات ليحميها من البرد القارس

فايز أبو عيد

الإثنين 5 كانون الثاني 2015

قضى الشاب “سعيد محمد صالح” أثناء محاولته الوصول إلى الشمال الأوروبي، حيث عثر على جثمانه متجمداً في احدى الغابات وذلك أثناء محاولته الوصول إلى اليونان، يذكر أن ابنته ذات الخمسة أعوام كانت برفقته أثناء تلك الرحلة حيث قضى والدها محتضناً طفلته وهو يحاول أن يقيها البرد القارص في تلك الغابة.

هذا الخبر الذي أنقله كما ورد على مواقع مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية أضاف مأساة جديدة إلى مآسي فلسطينيي سورية، أب يقضي وهو يحتضن ابنته ذات الخمس سنوات ليحميها من البرد القارص أثناء محاولته الوصول إلى اليونان بحثاً عن الأمن والأمان والحياة الكريمة بعد أن لفظت جميع الدول العربية دون استثناء فلسطينيي سورية.

الشاب “سعيد محمد صالح” الذي كان يٌمني النفس بحياة أفضل ومستقبل زاهر لابنته قرر أن يقطع الغابة سيراً على الأقدام، خاض غمار الغابة وهو يعلم بأنه سيواجه العديد من العقبات والمصاعب في تلك الغابة، إلا أنه لم يكن يعلم بأن البرد القارص هو من سيتسبب بموته، سار سعيد هو وابنته لساعات طويلة في الغابة على أمل الوصول إلى مبتغاه، لكن الليل خيم عليهما فجنحا للاستراحة والنوم، وفي الليل اشتد البرد وبات ينخر العظام فلم يجد الأب وسيلة أفضل من حرارة جسده لتدفئة ابنته فحضنها وغمرها بين يديه ومنحها دفء جسده.

لم يكن يخطر ببال سعيد الذي لم يجد في جيبه أعواد الثقاب (الكبريت) ليشعلها ويدفء بنيرانها جسد ابنته النحيل المتجمد من البرد بأن قصص الخيال التي سمع وقرأ عنها سوف تحدث معه بشكل حقيقي، فقصته أعادت إلى ذاكرتي قصة بائعة الكبريت التي خطها الكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن (1805-1875) أحد أشهر الكتاب العالميين لروايات الأطفال، والتي اعتبرها البعض أنها قصة سوداوية ومأساوية، و أن الخلاص في قصصه غالباً ما يأتي بثمن غال، تلك القصة تتشابه أحداثها ورمزيتها مع ما يعيشه اللاجئ الفلسطيني السوري اليوم من أحداث وحكايات تدمي القلب، وما تعرضوا له من تشرد في شتى أصقاع الأرض، وما لقوه من موت في الصحراء و البحر والغابات، حتى أنه يمكننا القول بأن ما يجري من أهوال ومخاطر وأحداث مع فلسطينيي سورية هو أكثر سوداوية ومأساوية من قصص هانس كريستيان أندرسن ، فقصة موت اللاجئ الفلسطيني السوري “سعيد محمد صالح” تتشابه في رمزيتها مع قصة بائعة الكبريت التي ترمز في مغزاها إلى ثلاثية القسوة والرحمة والأمل، وكذلك ما يتعرض له اللاجئ الفلسطيني السوري يأتي في ذات المسار والسياق ، فالقسوة نراها مجردة مكشوفة في تعامل الدول مع هؤلاء اللاجئين ورفض استقبالهم في بلادهم مما أدى إلى تهجيرهم في شتى أصقاع العالم، بينما كانت القسوة بقصة بائعة الكبريت متجسدة بالرجل الشديد القاسي الذي يتكفل بها، أما الرحمة والعطف تتجلى بكل تجلياتها في الوصول إلى بر الأمان وشد الرحال إلى الدول الأوربية التي تضمن لهم الحياة الكريمة، ومن أجل ذاك الأمن والآمان خاطر الفلسطيني السوري بحياته وحياة عائلته، أما الأمل فيتجلى في وضع حد لمأساتهم ومعاملتهم معاملة إنسانية ريثما تتحقق عودتهم إلى ثرى وطنهم فلسطين.

لقد رحل الشاب”سعيد محمد صالح” و لكن برحيله أعادنا إلى رؤية غسان كنفاني الثاقبة للأمور، عندما ألتقط خبر وفاة ثلاثة من الفلسطينيين في صهريج ماء كان يراد تهريبهم من العراق إلى الكويت بقصد العمل والبحث عن لقمة العيش،ورمزه في الأدب ليكتب رائعته”رجال تحت الشمس”الصادرة عام/1963/ راسماً بذلك الواقع الفلسطيني في اللجوء،وكان بهذا يسوقنا إلى السؤال الذي نكأ به جرحنا صارخاً “لماذا لم يقرعوا الخزان”مبرزاً أفقاً جديداً لأسئلة جارحة ضبابية مبهمة الملامح تعري اللحظة وتمسك الروح من لجامها الذي لا ينفك،فإيقاع القرع عند غسان هو إيقاع الدم على جسد الثورة،لقد كان ذلك الخزان التابوت المتحرك على أربعة دواليب هو صورة مصغرة لحالة اللجوء في الوطن العربي، أما اليوم أصبح العالم كله بالنسبة لفلسطينيي سورية هو الصهريج؟ الذي سيستمر بقرعه للخروج من وحشة التابوت محاولين زرع أجسادهم درباً لحياة جديدة؟

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/ou13

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top