فايز أبوعيد
مأساة اللاجئة الفلسطينية أم يوسف (اسم مستعار) هي واحدة من مئات القصص التي عانت منها المرأة الفلسطينية نتيجة الأحداث الدائرة في سورية، فقدت أم يوسف أولادها الأربعة ومنزلها وكل ما تملك من ذكريات وخلان بسبب تلك الحرب، مما شكل لها صدمة من الصعب أن تنساها، إلا أنها وجدت في الصبر والبكاء سلواناً لها فربما تداوي الأيام نزيف الروح فيها.
تقول أم يوسف إن عائلتها المؤلفة من 12 شخصاً، كانت تعيش حياة طبيعية بسيطة خالية من المشاكل والهموم، إلى أن اندلعت الأحداث في سورية وتأزم الوضع الأمني في شارع علي الوحش بريف دمشق، وبدأت تدب الفوضى وحالات القتل والاعتقال والاختطاف دون تمييز، ولم تسلم عائلتها من تلك الحرب اللعينة على حد تعبيرها.
بدأت مأساة أم يوسف عندما فٌقد ابنها الأوسط الذي كان يعمل سائق (تكسي عمومي) لمدة ثلاثة أيام، وبعد البحث عنه علمت أن جثته موجودة في براد مشفى المواساة، فقد تم اختطافه من قبل جماعة مسلحة مجهولة الهوية قامت بسرقة سيارته، وأوراقه الثبوتية وكل ما يملك من مال ومن ثم قتلته بدم بارد، كانت الصدمة شديدة على العائلة التي وقفت عاجزة عن فعل أي شيء سوى التضرع إلى الله والشكوى إليه.
ويبدو أن الحزن قد أستوطن حتى أنفاس أم يوسف، فلم يمض وقت طويل حتى فقدت ابنها الأكبر اثر إصابته في ساقه بشظايا قذيفة هاون سقطت على الحي الذي يسكن فيه، ما أدى إلى موته بعد خمسة أيام.
زادت مصيبة أم يوسف وزاد معها حجم المصائب التي وقعت على رأسها حين أٌعتقل أولادها الاثنين عام 2013 من قبل عناصر أحد الحواجز التابعة للأمن السوري، أثناء ذهابهما للاطمئنان عن والدهما الذي رفض الخروج من بيته، ولم ترد أي أنباء عنهما منذ تلك اللحظة، هذا الخبر وقع كالصاعقة على أبو يوسف، ما أدى إلى تدهور حالته النفسية والصحية، وكان سبباً في وفاته حزناً على أولاده الذين فقدهم في مدة لا تتجاوز الشهرين.
كثيرة هي العائلات التي فقدت أبنائها بسبب الحرب الدائرة في سوريا ولكن أن تفقد عائلة أم يوسف أربعة من أفرادها بسبب القذائف أو الخطف أو الاعتقال فهو أمر صعب جداً على أن يتحمله قلب الأم.
لذلك بعد أن خسرت أعز ما تملك قررت أم يوسف التي لم تعد تستطع حتى البكاء على قبور احتضن ترابها أجساد أبنائها، الفرار من جحيم الحرب والقتل في سورية إلى مخيم عين الحلوة في لبنان علها تحافظ على من تبقى منهم على قيد الحياة.
لدى أم يوسف صورة مفضلة يظهر فيها جميع أفراد عائلتها وهم واقفون بجانبها ممسكين بيدَيْها، تجري دموعها بحرقة على خديها لأنها لم تعد تعرف على من ستبكي من أبنائها، وهل يكفي اليوم الواحد لتستطيع تذكر كل منهم على حدى.
هي اليوم تعاني من ظروف إنسانية ومعيشية صعبة للغاية بسبب حزنها الشديد على أولادها ووضعها المعيشي والاقتصادي المزري، وكبر سنها واشتداد المرض عليها، وعدم وجود معيل لها، تشكو أم يوسف من مرض انسداد شرايين في القلب، وهي بحاجة إلى عملية جراحية لا تستطيع تحمل نفقاتها، وقد تم إخراجها من المشفى مرات عديدة بسبب عدم قدرتها على تأمين مصاريف علاجها رغم إطلاقها العديد من المناشدات للجمعيات الخيرية والسفارة والفصائل الفلسطينية في لبنان إلا أن تلك المناشدات لم تجد آذاناً صاغية وذهبت أدراج الرياح.
لكن يبقى السؤال الأكبر هو: من سيضمد جراح وآلام اللاجئ الفلسطيني النازفة نتيجة ما أصابه من خذلان واحباط ويأس شديد بسبب تخلي جميع الأطراف عنه وتركه في عين العاصفة وغياهب البحر يواجه مصيره المجهول دون تقديم يد العون والمساعدة له.
وأخيراً يمكن القول إن لا شيء يسلب الناس كرامتهم كما تفعل الحروب، التي تُعمِل مخالبها لتسلبهم حياتهم وحياة أحبائهم. تاركة إياهم أشلاء وأشتاتًا يبكون ماضيهم.