فايز أبوعيد
يكاد اليأس يستولي على فؤاد اسم مستعار (29 عاماً). فالشاب فلسطيني سوري علق في دولة لا يعرف لغتها ولا يستطيع العثور على عمل فيها. فؤاد متخرّج اختصاص أدب انكليزي، كان يعمل محاسباً في شركة طباعة في منطقة حلب، هو من سكان مخيم حندرات. بدأت مأساته مع تدهور الوضع الأمني في منطقته، اضطر مع عائلته للجوء إلى حي سيف الدولة بحلب، إلا أنه أجبر مرة أخرى على النزوح من مكان شتاته الجديد بسبب اشتداد المعارك في تلك المنطقة، حينها، لجأ أهله إلى لبنان، وبقي هو في حلب لظروف عمله، كان ينام في الشركة التي يعمل بها لأنها ملاذه الوحيد. لكن الحال لم يبقَ على ما هو عليه؛ فبعد فترة وجيزة توترت الأوضاع الأمنية بحلب، فأغلقت الشركة أبوابها، وهنا خسر المأوى الذي كان يحتضنه ومصدر رزقه الوحيد الذي كان يَعول به عائلته الموجودة في لبنان. عندها قرر الالتحاق بأهله، بعد أن وصل اليأس أوجه لديه وتحطمت آماله، كان يتمنى الموت لأنه على حد قوله “خسر كل شيء”. وبسبب فقر الحال وغلاء المعيشة في لبنان، فكر في السفر إلى أيّ بلد آخر كي يبدأ حياته من جديد، ويستطيع إعالة أهله.
انطلق فؤاد في رحلته الدراماتيكية الشاقة التي حملته إلى تايلاند، نظراً لسهولة الحصول على التأشيرة إليها. يروي فؤاد وعلامات الحزن الشديد بادية على محيّاه “كيف اضطرت أمه إلى بيع مصاغها الذهبي الذي كانت تحتفظ به لتخطب له وتفرح به من أجل تأمين تكاليف سفره”، ويضيف: “عندما حققت حلمي بالسفر ووصلت إلى تايلاند عام 2013، تبددت أحلامي بسبب غلاء المعيشة فيها وعدم وجود مصدر دخل لي”، موضحاً : “أن الصدمة الكبرى بالنسبة له هي أنّ إقامته في هذا البلد يجب أن لا تتجاوز الشهرين، وبعدها عليّه المغادرة إلى بلد آخر كي يستطيع تجديد إقامته فيها. ونظراً إلى افتقاره للمال، لم يستطع مغادرتها، وأصبح يعيش فيها دون إقامة”.
فؤاد الذي لجأ إلى مكتب المفوضية UNHCER وقابل المسؤولين وشرح لهم وضعه، كان يمنّي النفس أن يحصل على بعض المساعدات منها، لكنه لم يلق آذاناً صاغية، بل اكتفوا بإعطائه موعداً لمقابلته بعد أربعة أو خمسة أشهر، وكان كلما يتصل بهم ليخبرهم أنه عاطل عن العمل، وأن إقامته انتهت ومن الممكن أن يعرضه ذلك للسجن إذا ما اكتشف البوليس أمره، يكون ردّهم: “عليك بالصبر”.
لم يستطع فؤاد كبح جماح غضبه، وقال : “أي صبر أصبره؟ لقد تحطمت أحلامي، وخسرت الكثير الكثير. ولدت لاجئاً ابن لاجئ ابن لاجئ، والآن أنا لاجئ من جديد في بلد لا أعرف أحداً فيه، في بلد كسر ظهري. أنا الآن لا أملك ثمن تذكرة الطائرة كي أعود بها إلى سورية، كذلك أتجنب الخروج إلى الشارع خوفاً من اعتقالي من قبل رجال البوليس بسبب انتهاء إقامتي، وإذا ما حدث ذلك، فسأُسجَن وأُغرَّم بـ 700 دولار وثمن تذكرة العودة إلى سورية.
يستطرد فؤاد حديثه في تلك الفترة تعرفت على عدد من الشباب السوريين الذين كانوا يعملون في تايلاند ومنهم لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك كان يحاول جاهداً الهجرة إلى أوروبا، وعندما علم بقصتي قدم لي المال والمساعدة وتحدث مع المهرب كي نهاجر سوية، لكن الفرحة لم تكتمل نتيجة إفلاسي وعدم وجود قدرتي على تأمين مبلغ السفر، مما انعكس على حالتي النفسية والصحية وعندما وجدني صديقي على هذا الحال قرر أن يدفع عني نصف المبلغ، ولجأنا من أجل تأمين النصف الآخر من النقود لبعض الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تتعاطف مع اللاجئين وتقدم خدمات لهم.
يتابع فؤاد كلامه بفضل من الله استطعنا الخروج من مطار تايلاند بجواز سفر شبيه إلى النمسا، وهناك قدمت لمكتب اللجوء وأنتظر الآن لم شمل عائلتي.
مشكلة فؤاد ليست بالمشكلة الأولى. إنها مشكلة الكثير من اللاجئين الفلسطينيين السوريين، الذين أُجبروا على ترك سورية وهاموا في أصقاع الأرض بحثاً عن ملجأ آمن.