فايز أبوعيد
في شقة متوسطة الحال بأحد أحياء العاصمة الأردنية عمان، تعيش أسرة اللاجئ الفلسطيني “نضال المشني” الذي فر بأسرته المكونة من ستة أفراد من منطقة الحجر الأسود بريف دمشق هرباً من الموت تحت وطأة الحرب هناك.
يقول نضال اضطررت أنا وعائلتي للنزوح في منتصف عام 2012 من منطقة الحجر الأسود بريف دمشق إلى مدينة درعا جنوب سورية جراء تدهور الوضع الأمني ودخول المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية (الجيش الحر) إلى المنطقة، ودمار منزلي جراء القصف الصاروخي الذي طاله، وفي الشهر العاشر من عام 2012 قررنا مغادرة سورية إلى الأردن بحثاً عن ملاذ أمن، بعد الاشتباكات العنيفة وقصف الطيران الحربي السوري المكثف لمدينة درعا الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا والجرحى، ودمار كبير في المنازل والممتلكات.
أمل مفقود
واجه نضال الفلسطيني الحامل للجنسية الأردنية مخاطر وصعوبات كبيرة في طريق سفره إلى الأردن، تجلت بالحواجز المنتشرة على طول الطريق – سواء منها التابعة للنظام أوالمعارضة السورية-، ومعاملة عناصرها لهم، حيث كانوا يقومون بإنزال جميع الركاب من السيارة والتدقيق ببطاقاتهم الشخصية، وتفتيشهم تفتيشاً دقيقاً، وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية لهم.
بعد دخوله الأراضي الأردنية استطاع نضال رغم تعقيدات الحياة وظروفه المعيشية القاسية والاقتصادية المزرية في تجاوز أزمته والبدء بحياة جديدة، من خلال الاعتماد على الذات بإيجاد عمل يومي غناه حاجة السؤال والهوان، استطاع من خلاله تأمين جدران وسقف يأوي عائلته وأطفاله، وما يلزمهم من مأكل ومشرب.
إلا أن تدهور وضعه الصحي الذي اقعده طريح الفراش وغلاء المعيشة وعدم وجود مؤسسات خيرية ولجان عمل أهلي تساعد الفلسطيني القادم من سورية زادت من معاناته ومأساته.
بات نضال غير قادر على سداد ايجار المنزل الذي يقطنه، و تراكم عليه أجرة خمسة أشهر، مما دفع صاحب المنزل مطالبته بالأجرة مراراً وتكراراً، ويؤكد نضال أنه لولا الإنسانية والرحمة الموجودة بقلب صاحب المنزل وتقديره لظرفي ووضعي الصحي لكنا الآن نفترش الرصيف ونلتحف السماء.
الأونروا وسوء الخدمات
اضطر نضال الذي أصبح لا حول ولاقوه له للجوء إلى وكالة (الأونروا) كونها المسؤولة عن غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن الوكالة لم تلبي حاجته وتمد يد العون له بالشكل المطلوب، هذا الأمر رسخ القناعة في ذهن نضال بأن مستوى أداء الأونروا في الأردن لم يرق لمستوى الحدث الجلل الذي عانى منه اللاجئ الفلسطيني جراء الصراع الدائر في سورية منذ منتصف شهر اذار / 2011، فيما انحصر دورها بالجانب الإغاثي والتعليمي، وحتى هذه الجوانب شهدت تقصيراً واضحاً، مشيراً إلى أن اللاجئ الفلسطيني السوري عانى من المزاجية التي تمارسها إدارة الأونروا في الأردن اتجاههم، مؤكداً أن وكالة الغوث قدمت مساعدات بشكل متقطع وغير منتظم للفلسطيني السوري، فيما لم تقم بتسجيل أسماء جميع العائلات بسجلاتها الرسمية من أجل منحهم مساعدات مالية.
ووفق الخريطة الإحصائية لوكالة الأونروا أن عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين المتواجدين في الأردن قد بلغ (17 ألف) لاجئاً وذلك حتى نهاية شهر 12 – 2016.
يستكمل المشني حديثه منوهاً إلى أن الأونروا توزع كل ثلاثة أشهر مساعدات مالية تقدر بحوالي 85 دينار أي ما يقارب (120$) لكل فرد من العائلة، كما تعهدت بدفع 100$ كبدل اجار كل شهر إلا أن ذلك لم يتم إلا مرة واحدة فقط، ولم يشمل جميع الأسر اللاجئة.
ويضيف اضطررت بعد أن تراكمت علي أجرة المنزل وفواتير الكهرباء والماء، للذهاب إلى مقر الأونروا لطلب المساعدة منهم، وهناك أحسست بأنني بأحد الفروع الأمنية من كثرة الأسئلة التي يقومون بطرحها عليك، والأوراق الثبوتية التي يطلبونها من أجل منحك مساعدة لا تفي جزء من احتياجاتك، والشيء المضحك المبكي أنهم قالوا لي بأننا لا نستطيع أن نساعدك في دفع ما ترتب عليك من إجار البيت إلا إذا كان عليك حكم قضائي من قبل أصحاب المنزل فحينها نتدخل ونقوم بسداد المبلغ المتراكم عليك، هذا الأمر يحرق القلب ويجعل فيه غصة كأنهم يقولون لي عليك الموت أو السجن لنساعدك.
يتابع نضال لم اتخيل أن يصل المطاف بي إلى هذا الدرك لقد أصبح العمل قليلاً، وإن وجد فهو لا يكفي قوتنا اليومي، بت في حيرة من أمري ماذا أفعل ولمن ألجأ لتأمين حاجاتنا اليومية والعمل هنا أصبح شحيحا وإن وجد لا يكفي القوت اليومي خاصة وإن عائلتي مكونة من أربع بنات أكبرهم جامعية والأخريات بالمدارس والدراسة بالأردن الجامعية مكلفة.
لم تنته رحلة شقاء ومعاناة نضال عند هذا الحد، فهناك خطر كبير يهدد مستقبل بناته الأربعة التعليمي ، فهو غير قادر على تأمين أقساط المدارس لهم، وشراء مستلزمات المدرسة، وما يقض مضجعه أن بناته يعملن في الصيف من أجل تأمين مصروفهن المدرسي، وما زاد من حزنه وألمه وقصم ظهره عدم قدرته على شراء الكتب والأدوات المدرسية لبنته في الصف الحادي عشر الثانوي، وكذلك تأمين الرسوم الجامعية لابنته التي نجحت بجميع مواد امتحانات الفصل الأول بعلامات جيدة.
يهمل نضال الذي أجرى عملية لقدمه واضطر لوضع أسياخ من البلاتين فيها، نتيجة سقوطه أثناء عمله كطيان في أحدى البنايات، الاعتناء بصحته في سبيل تأمين لقمة العيش لأولاده واستكمال دراستهم وعدم تعرضهم لأي موقف قد يؤثر على حالتهم النفسية.
يختم نضال المشني حكايته بالقول إن قصته ومعاناته هي مأساة معظم الفلسطينيين القادمين من سورية إلى الأردن وباقي بلدان اللجوء، متمنياً أن يعود إلى سورية في أقرب وقت ويعيش فوق ركام منزله هناك، مردداً بيت شعري للراحل محمود درويش:
إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة؟
أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة؟