اعلاميون وكتاب فلسطينيون ماذا قالوا عن المخطط التنظيمي لمخيم اليرموك

فايز أبو عيد مجموعة العمل

تأسس مخيم اليرموك عام ١٩٥٤ بمبادرة من مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين وقامت بتوزيع قطع صغيرة لكل عائلة سميت بالنمرة ومساحتها حوالي ٤٠ مترا ، وكان حول هذه البيوت القليلة أراض زراعية تتبع لمنطقة شاغور بساتين،  وأصحاب هذه الاراضي من عائلات إقطاعية دمشقية مثل آل الحكيم والمهايني والرجولة وغيرهم، فقاموا بفرز أراضيهم وبيعها بشكل نظامي عن طريق كتاب العدل لمن يرغب بالشراء، فتم شراء الكثير من الاراضي من قبل فلسطينيين وسوريين ،ومع مرور الزمن أصبح مخيم اليرموك منطقة عامرة لها بلدية تتبع وزارة الإدارة المحلية ولها مخطط تنظيمي معتمد من قبل الجهات المسؤولة  وتطور المخيم ببنائه  أسواقه ومدارسه وشوارعه ومؤسساته الفلسطينية حتى صار يطلق عليه  عاصمة الشتات فأوله حارة الفدائية وآخره مقبرة الشهداء.

وفي أحداث الأزمة السورية دخل مخيم اليرموك في أواخر عام 2012 في أتون الحرب في سورية، فتعرض للقصف والحصار والاشتباكات، وهدم حوالي 80% من مبانيه وحاراته، وتهجير أغلبية سكانه.

وبعد إعادة السيطرة عليه من قبل قوات الجيش النظامي السوري يوم 21 أيار/ مايو 2018، أطلقت الوعود الكثيرة من قبل الجهات الرسمية السورية والفصائل الفلسطينية بإعادة أهالي المخيم إلى ممتلكاتهم ومنازلهم وإعادة الإعمار وترميم البنى التحتية إلا أن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح عند صدور المخطط التنظيمي الجديد الذي أصدرته محافظة دمشق في أواخر شهر حزيران المنصرم.

هذا المخطط لقي استهجان واستغراب أبناء اليرموك من سوريين وفلسطينيين وأثار العديد من التساؤلات حول الهدف الحقيقي من وراء صدور هكذا مخطط فيه شطب لرمزية المخيم وهويته الفلسطينية، فيما رأى البعض أن تفكيك المخيم وتهشيمه استحقاق سياسي دولي ليست محافظة دمشق إلا جهة منفذة لهذا الاستحقاق.

الشاهد والشهيد

الباحث والكاتب الفلسطيني نبيل السهلي رأى أن هناك ثمة أسئلة وإشارات استفهام تطرح بصدد المخطط التنظيمي لمخيم اليرموك، بعد قراءة مضمونه، في المقدمة منها: هل هناك أغراض سياسية بعيدة للمخطط، تستهدف مخيم اليرموك بوصفه كيانا مؤقتا للاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم، والسؤال الآخر بشأن توقيت المخطط، في وقت تتعرّض فيه القضية الفلسطينية لتحدّيات هي الأخطر منذ عام 1948. فهل بات اليرموك شهيداً بعد أن كان شاهداً مادياً على النكبة الكبرى؟ سؤال برسم منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية القابعة في دمشق، والتي تحدثت مراتٍ عن عودة اللاجئين قريبا إلى مخيمهم، اليرموك.

وأشار السهلي إلى أن هناك ثمّة رزمة أغراض من عملية التدمير الشامل والمبرمج لمخيم اليرموك، في مقدمتها طرد من تبقوا من اللاجئين الفلسطينيين، ومنع عودة أي لاجئ فلسطيني إليه، وبالتالي تغييب شاهد مهم على النكبة، تماماً كما حصل في 1976 في مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا غرب وسط بيروت.

أوقفوا اللعب باليرموك

الإعلامي والكاتب علي بدوان شدد على ضرورة إيقاف اللعب بمصير مخيم اليرموك، مشدداً على أن مخيم اليرموك، سيبقى وفق خريطته التنظيمية المقررة عام 2004، خاصة وأن أراضيه مدفوعة الثمن وليست (اراض طبب)، وستبقى مدوّنة على جدران مخيم اليرموك، وفي شوارعه خربشات أقلام أبناء فلسطين وملصقاتهم ورسوماتهم، تلك الخربشات والملصقات والرسومات التي تعبّر عن ثقافة وطنية بطريقة عفوية، لتحكي دراما اللّجوء، فتدمع جدران المخيم عند التحليق عليها، لوحات العودة الى حيفا ويافا وعكا وصفد وطبريا واللد والرملة، العودة هناك الى الوطن السليب، وإلى الهوية التي مازالت تعيش في وجدان كل لاجئ فلسطيني.

يجرد ٤٢% من أملاكهم

الحقوقي “أيمن أبو هاشم” رأى أن المخطط التنظيمي الجديد لمخيم اليرموك يشكل من الناحيتين القانونية والإجرائية إهداراً كبيراً للحقوق العينية العقارية المكتسبة لسكان المخيم، لأنه يجرد ما لا يقل عن ٤٢% من أملاكهم، التي تدخل بموجب المخطط في عملية إعادة التنظيم، وهناك صعوبات عملية وإجرائية كبيرة، في إعادة ترميم المخيم القديم وتمكين أصحاب البيوت من العودة إليها، فقسم من أصحاب هذه الأملاك ولأسباب أمنية لن يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم.

ثم أن المخطط الجديد يؤدي إلى تجزئة الوحدة العقارية للمخيم كما كانت قائمة بموجب المخطط التنظيمي لعام ٢٠٠٤ وتعديلاته عام ٢٠١٣، وهي مسألة خطيرة ستؤدي في حال تطبيق المخطط إلى خلق وقائع عقارية جديدة تلغي صفة المخيم وتعتبره حي دمشقي، ضمن مساعي مكشوفة للنظام لتغيير الهوية الديمغرافية والوطنية للمخيم.

حتى تناول المخطط للسكن وتعويض من دخلت أملاكهم في التنظيم، فإن تعويضهم بأسهم لا تغطي القيمة الحقيقية لعقاراتهم، هو أيضاً شكل من الاستيلاء على املاكهم دون الحد الأدنى من الإنصاف والتعويض العادل، أما فتح باب الاعتراض للمتضررين من هذا المخطط وهم غالبية سكان المخيم، فلا يمكن التعويل على جدوى مثل هذه الاعتراضات في ظل ارتهان مؤسسات النظام الإدارية والقضائية للأجهزة الأمنية وتوجهات قادة النظام بمنع عودة مخيم اليرموك إلى ما كان عليه قبل تدميره وتهجير سكانه على يد النظام وحلفائه..

تهديد للوجود الفلسطيني في دمشق

الإعلامي زهير الخطيب المخطط التنظيمي الجديد لمخيم اليرموك يفقدنا ويفقد المخيم الهوية الفلسطينية، معتبراً أن المخطط يهدد الوجود الفلسطيني في دمشق، وينزع الهوية الفلسطينية عن أكبر مخيمات اللجوء وأكثرها رمزية.

وتساءل الخطيب لماذا هو بالذات دون المخيمات الاخرى؟ مشيراً إلى أن المخطط يخالف قرارات سابقة في سنوات ماضية تحافظ الوحدة العقارية للمخيم.

مشدداً على أن غياب معظم فلسطينيي المخيم وانتشارهم في مناطق النزوح واللجوء داخل سوريا وخارجها سيعيق إمكانية الاعتراض أو حتى إثبات الملكية. لماذا بعض الجهات الرسمية الفلسطينية والسورية تطلب من المتضررين الاعتراض؟

ووفقاً للخطيب فأن هناك اسئلة واستفهامات كثيرة وخطيرة تدور في البال، أهمها أين المصلحة العامة من وراء هذا المخطط؟ إن كان تحسين منظر المدينة واعادة تنظيمها فما الذي يمنع ان يكون الفلسطينيون هم سكانها بدلا من بيوتهم المصادرة بموجب المخطط التنظيمي الجديد؟

وأوضح الخطيب أن سكان مخيم اليرموك لم يخرجوا بإرادتهم من منازلهم.. وإنما طلب منهم الخروج للحفاظ على حياتهم فخرجوا سواء في بداية الازمة او آخرها، فأين المقبرة التي سيدفنون بها الآن؟

عنوان براق وخادع

الباحث إبراهيم العلي المختص بشؤون اللاجئين الفلسطينيين اعتبر أن المخطط التنظيمي لمخيم اليرموك يحمل عنوان براق وخادع، مردفاً ربما يظن البعض أن الرفض الفلسطيني له يتنافى مع الرغبة في التنظيم والترتيب، إلا أن الحقيقة مغايرة تماماً فالمخيم بكل حجارته وبيوته وجدرانه شاهد على محطات النضال الفلسطيني ويشكل معلماً ثورياً من معالم التاريخ  الفلسطيني المعاصر ، فيه تعرف اللاجئون على فلسطين وتشكل الوعي الجمعي بالقضية الفلسطينية، وهو شاهد على جريمة الاحتلال في تهجير الشعب الفلسطيني عام 1948 ونشوء قضية اللاجئين المستمرة منذ أكثر من 72 عاماً.

تدمير للذاكرة الوطنية

الإعلامي الدكتور بسام رجا صرح خلال مقابلة تلفزيونية أن المخطط التنظيمي الجديد فيه إجحاف وتدميراً لمخيم اليرموك، الذاكرة الوطنية والثقافية والسياسية ومخزون الثورة الفلسطينية.

وأعتبر رجا  أن شطب حارات وأحياء كاملة من مخيم اليرموك كحارة الفدائيين التي تعني الكثير لأبنائه فذاك الإجحاف بعينه الذين قاموا ببناء بيوتهم وممتلكاتهم بجهدهم وتعبهم ودمائهم، مشدداً على أن جميع البيوت والأراضي في المخيم للفلسطينيين وهي أرض  منظمة وفق عقود وطابو نظامية وليست أرض عشوائيات، حيث  تم شرائها أما عن طريق أشخاص أو عن طريق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مشيراً إلى أن هناك بعض المناطق المحيطة بمدينة دمشق عشوائية، أما مخيم اليرموك فلا يوجد به شبر او متر طبب او بناء عشوائي.

وطالب رجا بإعادة النظر في المخطط التنظيمي وإلغاؤه لأنه يزيل الكيانية الفلسطينية ويزيل التاريخ الوطني الفلسطيني في هذا المخيم.

شو يعني تنظيم اليرموك؟

الكاتب والسيناريست المعروف حسن سامي يوسف كتب في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك عن المخطط التنظيمي الجديد لمخيم اليرموك تحت عنوان” شو يعني تنظيم اليرموك؟ قائلاً: “منين أنا بدّي أجيب الورق الذي يثبت ملكيتي لبيتي هناك خلال شهر؟ ويمكن يكون هل الشهر خلص.. الأوراق كلها بقيت في اليرموك اللي إذا بدك تدخل لإله حالياً يحتاج لأوراق تثبت ملكيتك لعقار ما هناك.. شو هل الدويخة هذه؟!

واستطرد حسن سامي يوسف أنا ما بحب أحمل أوراق، وبيتي معروف لعشرات المثقفين السوريين، أغلبهم ما زال على قيد الحياة: شارع الجاعونة، جادة 3 منزل 18، الطابق الثاني، اسألوا المخرج السينمائي محمد ملص، المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد، الناقد محمد الأحمد (وزير الثقافة الحالي)، والقائمة تطول، اسألوا رواية رسالة إلى فاطمة كمان بتشهد. اسألوها بتشهد على عذابي بكتابتها في هذا المنزل.

أنا بعمري ما حملت أوراق تثبت ملكيتي لشيء ما في سوريا. الورق الوحيد اللي ما فارقني بيوم من الأيام هو الورق الذي يثبت ملكيتي لأرضي في فلسطين. الأرض اللي سجّلها أبي باسمي لما كان عمري أربع عشر يوماً. عمتي قالت لي مرّة: كان عمرك خمسة عشر يوماً.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/d0ht

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top