الأرملة الفلسطينية السورية بؤس وشقاء واستغلال

فايز أبو عيد

فقدت مئات النسوة الفلسطينيات أزواجهن بفعل الحرب التي اندلعت في سورية، وما رافقها من أعمال عسكرية واعتقالات تعسفية وإعدامات ميدانية واختفاء قسري، إضافة لأسباب الموت الطبيعي والوفاة أثناء محاولة الخروج من جحيم الكارثة في سورية.

وكان لفقد الرجال أثر كبير على النساء السوريات والفلسطينيات اللواتي ترملن ووجدن أنفسهن وجهاً لوجه أمام تحمل المسؤولية التي كان يقوم بأعبائها أولئك الرجال، فأصبحت المرأة بذلك هي الأم والأب، فباتت تعمل في معظم المجالات.

هنا وجدت المرأة بشكل عام والتي لاتزال في ريعان شبابها نفسها وحيدة تائهة ضعيفة لا سند أو حامي لها، وأصبحت تعيش أزمات نفسية، جراء فقد الزوج وغياب رب الأسرة الذي كان يتكفل بمستلزمات المنزل والإنفاق على زوجته وأطفاله، وكذلك بسبب عدم وجود معيل إما لتملص الأقارب من المسؤوليات تجاه أسرة المتوفى، أو عدم قدرتهم على إعالتها بسبب الفقر الذي تعاني منه أغلب العائلات الفلسطينية في سورية.

هذه الأمور مجتمعة أنستها أنوثتها واضطرت للبحث عن مصدر رزق يعيلها ويعيل أطفالها، إلا أن الذئاب البشرية الذين ضمن محيطها أو في مكان عملها أو من عناصر الأجهزة الأمنية، لم يرأفوا بحالها محاولين ابتزازها واستغلالها والتحرش بها.

أسماء (اسم مستعار) ابنة مخيم اليرموك عن تجربتها في هذا الموضوع فتقول: عمري 30 سنة ولدي طفل يبلغ من العمر  تسع سنوات، وزوجي مات تحت التعذيب في المعتقل، وفي كل مرة حاولت الوصول إلى مكانه كنت أتعرض للتحرش الجنسي من قبل عناصر الأفرع الأمنية، ودائما كنت أحاول إخفاء وضعي الاجتماعي لفرط ما عانيت فما إن يعلم الشاب أو الرجل بأني أرملة حتى يكشر عن أنيابه ويبدأ بمحاولة الايقاع بي واستغلالي، الجميع يظنون بأني أصبحت سهلة المنال لأني فقيرة وأرملة، ومنهم من يعرض علي الزواج بالسر أو ممارسة الجنس مقابل المال أو الهدايا، على حد تعبيرها. 

بدورها أكدت نسرين ابنة مخيم درعا على أن حياة النساء الأرامل داخل المنزل أصبحت صعبة جداً بالنسبة لهن فهن أصبحن يقمن بوظيفتهن كآباء إضافة لوظيفة الأمومة فمع انشغالها بالعمل خارج المنزل تترك أطفالها عند أحد الأقارب وغالباً لا يحصلون على الاهتمام التام وبالتالي تبدل سلوكهم نحو العناد ورفض الأوامر والانحراف.

مضيفة أن أطفال الأرامل يتعرضون للتنمر والتمييز وعدم احترامهم في ظل ضعف قدرة الأم على حمايتهم، مما يؤدي ذلك لتصاعد مستويات العنف لديهم، ويخرج كثير منهم من المدرسة إلى غابات التسول والانحراف.

أما أم هادي أم لخمسة أطفال من مخيم حندرات بمدينة حلب تقول” منذ وفاة زوجي بمرض السرطان وأنا أعاني الأمرين مع أطفالي، فلا نملك بيتاً يأوينا ولا سند لنا بعد الله، فأخوتي وأخوة زوجي لديهم من الهموم ما يكفيهم، وتعتمد جُل حياتنا على مساعدة “وكالة اونروا” وبعض المحسنين، فهي لا تكفي نظراً لعددنا الكبير ودفع إيجار المنزل بشكل شهري ومنتظم، وحاجتنا المستمرة للدواء كوني مصابة بالسكري والضغط، وتزداد مخاوفي مع غياب شمس كل يوم فلا ندري ما ينتظرنا من الهموم والمصائب، واخشى ما اخشاه أن أموت قبل أن يكبر أبنائي دون دراسة و تعليم فيصبحوا عرضة للضياع والانحراف، فهم وصية زوجي الراحل الذي لطالما كان يحلم برؤيتهم وقد تخرجوا من الجامعات ليخدموا دينهم وقضيتهم.

من جانبها قالت الأونروا إن النساء الفلسطينيات يدفعن ثمناً باهظاً للنزاع في سورية؛ والعديد منهن فقدن أزواجهن وآبائهن وأبنائهن، فيما قامت الأخريات بمغادرة منازلهن وترك أعمالهن وشبكات الدعم الخاصة بهن ورائهن. إن واحدا من بين كل ثلاثة منازل في سورية الآن ترأسه امرأة.

كما أشارت إلى أن 135 ألف لاجئ فلسطيني في سورية، ينتمون إلى الفئات الأشد عرضة للمخاطر، مثل الأسر التي ترأسها أنثى واحدة أو شخص كبير السن، أو الأشخاص ذوي الإعاقة، أو الأيتام والقصر الذين لا يوجد معهم مرافقين، مشيرة أن لاجئو فلسطين من بين الفئات الأشد عرضة للمخاطر في البلاد، مصنفة الأسرة التي تعيلها امرأة فاقدة لزوجها ضمن الحالات الصعبة وتستفيد من الحصول على مساعدات غذائية شبه شهرية، اما المساعدات المالية تحصل عليها كل 3 او 4 شهور مرة بزيادة حوالي 50% عن الاسر العادية.

في حين شددت الوكالة الأممية على أنه بالرغم من هذه التحديات الجمة، إلا أن النساء الفلسطينيات في سورية عازمات على المضي قدما بحياتهن وعلى إعالة أطفالهن.

وبمتابعة وضع الأرامل الفلسطينيات في سورية نرى أن وضعهن مأساوي فعلاً إذ تُغيبهن الإحصاءات ويُغفلهن الباحثون وتُهملهن وتتغاضى عن معظمهن الجهات الرسمية والفصائل الفلسطينية والعديد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإغاثية.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/q0km

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top