فايز أبو عيد – مجموعة العمل
“إذن سيقيمون حديقة عامة فوق أنقاض بيتنا في المخيم؟؟”، بهذه العبارة المليئة بالحزن واشارات الاستفهام والتعجب عبر الفنان التشكيلي هاني عباس عن حسرته وخيبة أمله من المخطط التنظيمي الذي أقرته محافظة دمشق لمخيم اليرموك، والذي يزيل المخيم من الخارطة الجغرافية السورية، ويشطب هويته الفلسطينية.
واستطرد هاني هذا مفجع بالتأكيد، ولكنه ملهم أيضاً لاستمراري في الكتابة باتجاه ذاكرة هذا المكان وأيضاً باتجاه ما أتخيله عن زوار هذه الحديقة بعد عدة سنوات.
وهنا يطوع هاني يراعه ليكتب بمداد مليء بشيء من الحرقة ليذكر من سيزور الحديقة المقامة على أنقاض بيته وذكرياته فيقول: إذا كنت مشرداً وأتيت لتنام على أحد مقاعد هذه الحديقة ستكتشف أن أحدهم قد غطاك ببطانية دافئة ليلاً.. هذه إحدى أمهاتنا بالتأكيد.
وإن كنت عاشقاً ستجد الكثير من الكلام لتقوله لحبيبتك وأنت تجلس في هذه الحديقة هذه ليست كلماتك بالتأكيد، أنا من لقنتك اياها سراً وبدون ان تنتبه.
حسناً … حتى وإن كنت عاملا في البناء المجاور وأتيت لتأكل سندويشة بسيطة في هذه الحديقة ستشعر أن الطعام أشهى مما تصورته ويشبع أكثر مما يوحي حجم هذه السندويشة الصغيرة، أنت لم تأكل سندويشتك، لقد كنت في ضيافتنا على مائدة غداء أمهاتنا.
يتابع الفنان التشكيلي هاني عباس الذي يولج عائلته في بث حزنه وآلامه وما كابده من خيبات ونكسات وغمامات داكنة رسمت خريطة سوداوية لأهالي مخيم اليرموك، سيقيمون حديقة إذن؟؟!!
تقول زوجتي أم المجد: حديقة فوق بيوت الناس !!!… حسناً … حديقة أفضل من معتقل أو سجن … أو ثكنة عسكرية …!
يقول ابني مجد: وكيف سأصحب أبنائي في المستقبل لزيارة مكان ولادتي؟
هو الآن سيختفي حتى من الخريطة؟ كيف سأعرف مكان بيت جدي وروضتي وشارع صفد؟
يضيف هاني أتأمل أنا في هذه النقطة بالذات، كيف نحدد المكان والاتجاهات! أذهب فوراً إلى خرائط غوغل وأحفظ كود منزلنا بخطوط الطول والعرض: 33*28 21 N 36*18’26E، هذا الكود هو الآن هو منزلنا الافتراضي، كتبته على ورقة وسأورثه لأبنائي كصورنا وذكرياتنا القديمة.
ويختتم الفنان العالمي هاني عباس ابن مخيم اليرموك كلامه، عندما يزورون الحديقة في المستقبل سيضعون هذا الكود على غوغل الخرائط ليعرفوا مكانهم، ما كان مكاننا …”
نص الفنان هاني عباس أصفه وكأنه نسمة تعبر على سطح الروح، وسكين دخلت في أعماقنا فتركت جرحاً من الصعب أن يشفى وندبة لا تمحى، في حين خرجت كلماته من أعمق نقطة في روحه؛ لذلك تغلغلت في أعمق نقطة من أرواحنا، وانجذبنا إليها لأنها تعبر عما نمر به من تشرد وضياع وتيه جديد.