فايز أبو عيد
الإثنين 25 آب 2014
إلى جوار الفدائيين الذين يحملون البنادق هناك ثمة من يحمل قلمه وفكره وإبداعه ليساهم بدوره في المعركة”، انطلاقاً من هذه المقولة وإيماناً من القائمين على بيت فلسطين للشعر بأنَّ معادلة شعر المقاومة والعودة ما زالت تفرضُ نفسها على المشهد الشعري الفلسطيني ولأن لا حياة لأي إنسان أو أي إبداع بلا وطن وأنَّ قدر الشعر الفلسطيني كان ولا يزال يُولد من رحم القضية الفلسطينية بكل إفرازاتها، ومواكبة منه لم يجري من أحداث دامية على امتداد الرقعة الجفرافية في فلسطين، فقد أطلق بيت فلسطين للشعر حملته الشعرية الثانية تحت عنوان” شهيد الفجر …محمد أبو خضير” ، التي جاءت بعد حملة شعرية أولى بعنوان ” أشرعةُ الموت ” .
كما أنه ومنذ اليوم الأول من العدوان الصهيوني الهمجي والوحشي على قطاع غزة أطلق حملته الشعرية الثالثة تحت عنوان”انتفاضة القصائد” وذلك من خلال إرسال دعوة للشعراء للمشاركة بهذه الحملة من أجل كتابة قصائد شعرية تتحدث عن آلام ومعاناة شعبنا الفلسطيني وقطاع غزة وما يتعرض له من عدوان وقصف وقتل، وكذلك من أجل ومؤازرتهم بالكلمة التي تشحذ الهمم وتقوي العزيمة وتؤثر في النفوس، وتعكس بطولات المقاومة وصمودها، وحول هذه الحملة والهدف منها وما مدى تأثير الكلمة والشعر في دعم المقاومة وأهل قطاع غزة قال مدير البيت الشاعر سمير عطية:”إنَّ حملة ” انتفاضة القصائد ” أطلقها بيت فلسطين للشعر لتكون القصيدة صوتاً حراً في معركة العودة والتحرير. وأضاف موضحاً إنَّ للحملة معايير وضعها القائمون على بيت فلسطين للشعر يتم من خلالها انتقاء أهم المقطوعات الشعرية لشعراء فلسطين والوطن العربي، ونشرها في لوحات عبر المواقع الإلكترونية في الإعلام الجديد، وبرامج الاتصالات الحديثة مثل الواتس أب . وأردف بأننا نُجهز في هذه الحملة تصاميم بحجم كبير لتتناسب مع المعارض التي تُقام نصرة لغزة وفلسطين، وليكون الشعراء حاضرين في إبداعهم وقصائدهم، مُعبرين عن نبض الوطن وحلم الشهداء وأوجاع المصابين، ملتفين حول المقاومة ولوائها، رافعين ألوية القصيد ورايات العودة الشعرية وبيارق القصائد المُقاومة.
وأكّد العطية بإنّنا على ثقة أنّ هذا المشروع يُحفّز الشعراء جميعاً ليكونوا معنا في هذه المرحلة المهمة من عمر قضيتنا الفلسطينية، ولتكون القصائد قادرة على إحداث تفاعل وحراك شعبي مع الأبطال في فلسطين، وهذا ما وجدناه من ردود أفعال إيجابية على التصاميم التي نشرت في المراحل السابقة . ويختم قائلاً بأنّهم لا ينحازون في بيت فلسطين للشِّعرإلاّ للوطن وهويته، وللمقاومة ورجالها، لأنّها الطريق الحقيقي للعودة والتحرير إن شاء الله تعالى، ولتظل انتفاضة القصائد معلماً مِنْ معالم القصيدة المقاتلة.
أمَّا الدكتور والشاعر مصعب حمود فقد رأى بأنَّ هذه ليست أولى الحمَلات في بيت فلسطين للشعر ولا ثانيتها، فقد سبقتها أحداثٌ وأحوالٌ تخاطرت عليها قلوب الشعراء وانتظمت كلمتُهم فانبعثوا جميعاً في درب واحد كلٌّ بلحنه وإيقاعه ، ولم يكن ثمَّةَ من يسمِّيها حملة، وانظر على سبيل المثال ما كان أيام أسطول الحرية. أمّا وقد سُمِّيَت بذلك الآن فلا ريب أنّه مِن أثر النضج في فكر البيت الذي شبَّ عن الطوق وبلغ عامه الخامس فهو اليوم جَذَعٌ فتيّ.
هذا وقد وصف حمود الحملةُ على أنها مُحرّكٌ آنيٌّ فاعل في الحدث الجاري، وهي كذلك وثيقةٌ تاريخية مهمة سيتلقَّفُها الناس في قادم الأيام لأنها بمجموعها سجلٌّ حافلٌّ بالتفاصيل الحادثة والمشاعر المُرافقة ، فكيف إذا كانت الحملةُ لعيون شهدائنا ولصمود أهلنا في قطاع غزة ضد آلة الحرب الصهيونية.
وأضاف إنَّ للحَملة الشعرية ما يشبه أثرَ التعبئة العامّة في القلوب والهمم على المبدع والمتلقي، فأمَّا المبدعون فتسري بهم روحُ القوة بطبيعة المعنى الجمعيِّ للحملة، فتخرجُ قصائدهم على السويّة العليا من الأمل والعنفوان خليّةً عن النّواح الفردي والكآبة والوهن الذي تفرضُه العزلة. ثم تنعكسُ هذه الروحُ بقوة الطاقة الإبداعية على القراء والسامعين قلُّوا أو كثروا، ويوشكُ القليلُ أن يصبحَ كثيراً إذا اتصل تيار القوة؛ فإنّ الفطرةَ تميلُ إليه وتأنف الضعةَ والهوان.
وقد يجلبُ ضجيجُ الحملة المزيدَ من الموهوبين الهائمين على هوامش الدرب، وسرعان ما يلتحقون بالرَّكب وينطلقون
. وبدوره قال الشاعر إياد حياتلة:”ربّما يكون الشعر المقاوم قد سبق المقاومة نفسها، أو مهّد لها الطريق في بدايات إرهاصاتها، وربّما يكونان قد وُلدا معاً من رحم معاناة الشعب الفلسطيني وحلمه بتحرير أرضه والعودة إليها، وكبرا وشبّا عن الطوقِ معاً يسندان بعضهما البعض، فمع انطلاقة الرصاصة الأولى واكبتها القصيدة كحادي المسير الطويل، تشدُّ من أزرها إذا أصابها بعض تعب، وتغنّي لها في المعسكرات وميادين المعارك، ولأنّ ثورتنا ليست بندقية ثائرٍ فحسب، بل هي معول فلاح ومشرط طبيب وقلم كاتب وريشة شاعر، في القول المنسوب لأبي عمّار، فإنّنا نجد أنّ المجتمع كلّه كان، وما زال يقاوم كلٌّ على طريقته من هنا. وهنا أُثني على حملة انتفاضة القصائد التي أطلقها بيت فلسطينللشّعرعلى موقعه وصفحته الفيسبوكية الذي أخذ على عاتقه العمل على إبراز دور الشعراء وإبداعهم في معركة التحرير والعودة، هذه الحملة التي تواكب الاعتداءات الصهيونية على غزّة بالقصيدة، والتي تُرافق البندقيّة المقاتلة بالكلمة، والتي تمسح دموع أهالي الشهداء بالأغنية، وتخفّف آلام الجرحى، وتعينُ المحاصرين على حصارهم، وتنقلُ للعالم آلام وآمال الغزيّين ومن خلفهم كلّ الفلسطينيّين وثقتهم ووقوفهم وراء المقاومة حتى النصر.
ومن جانبه أكد الشاعر”محمد رباح” المقيم في قطاع غزة والذي يعيش يوميّات العدوان والصّمودإنَّ كل شخص يخدم القضية الفلسطينية حسب موقعه، والشّعراء لا يملكون إلا الكلمة المؤثرة التي توثق الحدث من خلال الكلمات التي تشحذ الههم وتثير في النفوس.والشعراء لا يملكون الاّ الكلمة وهذه الحملات تُعيد الشّاعر إلى مربع القصائد الوطنية وهذا بلا شك يدعم المقاومة ويدعم أهل القطاع ولو من حالة معنوية فقط. أما عن سؤالك إن كان للكلمة دورها الفاعل في شحذ الهمم فهذا صحيح ولكن يجب علينا أن نوصل هذه القصائد الى أكبر شريحة من الناس.
أما الشاعر “محمد توكلنا” مسؤول قسم الدراسات في بيت فلسطين للشعر فقد اعتبر أنَّ الحملات نجحت إلى حد ما في حشد مجموعة من الشعراء، حيث بدأ ذلك في الحملة الأولى التي أطلقها البيت في السنة الماضية في حادثة غرق مركب اللاجئين وزاد عدد الشعراء في الحملتين التاليتين, وأظن أنَّ الأمر يحتاج إلى توسُّع في الإعلان عن الحملات لتزداد حصيلتها، ولا شك أنَّ المقاطع التي قدمها الشعراء لقيت قبولاً لدى القراء. وأضاف د. توكلنا بأننا نحتاج إلى أساليب مناسبة لنتوسع في النشر، وقد يكون استمرارنا في إطلاق الحملات في كل مناسبة باعثًا لنشر هذا الأسلوب من النشاط الشعري وإحداث أثر أكبر لدى القراء مع استمرار الحملات وتناميها.
يمكننا القول إنَّ الكارثة تصنع الإبداع أحياناً، لذلك نرى أن تهجير شعبنا من أرضه ووطنه وفرض الحياة القاسية عليه، إضافة إلى القهر والعدوان اليومي الذي يعيشه منذ أكثر من 66 عاماً في الترقب والانتظار لا بد لذلك كله أن يصنع منه شعباً مُبدعاً، وقارئاً نهماً، باحثاً عن أسباب مصيبته التي ألمّت به وعن المتسببين فيها من جهة، ومن جهة أخرى مثابراً دائماً على إبقاء الذاكرة حية متيقظة في عقول الأجيال حتى لا تنسى، فكان لا بد من الثقافة سبيلاً حيًّا لإبقاء جذوة الحق مشتعلة لا تنطفئ في نفوس هذا الشعب.