بلا وطن” جنسية فلسطينيي سوريا في أوروبا

فايز أبو عيد

عبارة “بلا وطن” تكتب في خانة الجنسية على جواز سفر كل فلسطيني هاجر إلى الدول الأوروبية والإسكندنافية وأستراليا وامريكا اللاتينية، للبحث عن ملاذ أمن وحياة كريمة، وذلك مقابل السماح له بالإقامة فيها وممارسة حياته الطبيعية البعيدة عن الخوف والقلق من المستقبل المجهول له ولعائلته.

وحول تأثير عبارة “بلا وطن” وتبعاتها من الناحية القانونية سواء السلبية أو الإيجابية على اللاجئ الفلسطيني عامة والفلسطيني السوري بشكل خاص، وما يشاع عن شرط تخليهم عن الجنسية والوطن مقابل حصولهم على الإقامة وجنسية البلد الذي وصولوا إليه، ولمعرفة خبايا وخفايا ما تعنيه عبارة “بلا وطن”، حملنا تلك الأسئلة وطرحناها على عدد من الإعلاميين والحقوقيين الفلسطينيين السوريين الذين فروا من جحيم الحرب في سورية إلى دول الشتات الجديد. 

الانتماء لفلسطين لا يشطبه تغير المكان

نبيل السهلي باحث وإعلامي فلسطيني سوري يقيم حالياً في هولندا شدد على أن أي فلسطيني اينما حل وارتحل يعتبر جزء من الهوية الوطنية الفلسطينية بركائزها الثلاثة الوطن والشعب ونتاجات الشعب الفلسطيني، وينسحب ذلك ايضاً على فلسطيني سوريا في اوروبا فهم فلسطينيون حتى لو حصلوا على جنسية أوروبية، والانتماء لهوية الشعب الفلسطيني لا يشطبها تغير المكان قسرياً.

وأضاف أنه يمكن الجزم بأن فلسطيني سوريا في أوروبا اكدوا على ترسيخ هويتهم الوطنية الفلسطينية في عدة وقفات تضامنية مع قضية الاسرى وهبة الاقصى الرمضانية عام ٢٠٢١، هذا فضلا عن تميز العديد من فلسطيني سوريا في اوروبا في مجالات العلم والمعرفة والعمل والرياضة؛ ويعتبر ذلك بمثابة اضافة لنتاجات الهوية الوطنية الفلسطينية، ويبقى القول بان وجود فلسطيني سوريا في اوروبا وحصول الكثير منهم على جنسية بعض الدول الأوروبية او الإقامات بمختلف مسمياتها لا يغير من وضعهم القانوني باعتبارهم جزء هام من الشعب الفلسطيني ومسجلون في سجلات الأونروا.

عبارة مخالفة للقانون الدولي الإنساني

وقال أيمن ابو هاشم، محام وكاتب فلسطيني يقيم في ألمانيا حالياَ إن كتابة عبارة “بلا وطن” في خانة الجنسية إجراء مخالف للقانون الدولي الإنساني، لأن الفلسطيني ليس مجهول الهوية، ولكن القصة لها أبعاد سياسية كبيرة.

وتابع أبو هاشم أنه فيما يتعلق بالوضعية القانونية لفلسطينيي سوريا في أوروبا وتأثيرها على هوية انتماءهم وجنسيتهم الأصلية، هناك مستويين متفرقين يحملان أوجه من التناقض في تعامل القوانين الأوروبية مع الفلسطينيين السوريين

الاول: انطباق وضعية اللجوء على فلسطينيي سوريا، ومنحهم بناءً على ذلك الحقوق المدنية، كحق الإقامة والتعليم والعمل والتنقل، مما أسهم إيجاباً في توفير مقومات الحياة واستفادتهم من الحقوق المكفولة للاجئين عموماً، وشعورهم بالأمان والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتجاوزهم للعديد من العقبات القانونية، مع حصولهم على الوثائق الشخصية التي تمنحها لهم تلك الدول. 

أما الثاني: شعورهم الجماعي بالغين والاجحاف من ناحية أخرى بسبب طمس ما يشير إلى هويتهم الفلسطينية الأصلية في الوثائق الممنوحة لهم، ووضع تصنيفات مبهمة وغامضة بوصفهم غير معروفين أو من فئة عديمي الجنسية، مع انهم يمتلكون الوثائق التي تؤكد جنسيتهم الأصلية، غير أن إدارات الهجرة في الدول الأوروبية تتجاوز تلك التوثيقات المدنية، وتصر على التصنيف المتبع لديها حيالهم، ويبدو أن ذلك مرتبط باعتبارات سياسية بحكم علاقات حكوماتها مع الكيان الإسرائيلي، ومن المؤسف ان السفارات الفلسطينية في تلك الدول لا تقوم بالجهود المطلوبة لتصحيح وضعية من يفترض أنها مرجعيتهم الوطنية.

مضيفاً أنه يقترن بهذه الوضعية القانونية الملتبسة وضوح نزعة سياسية وإعلامية لدى غالبية الحكومات الأوروبية، للضغط باتجاه تهميش الرواية الفلسطينية بأشكال مختلفة، مما يفاقم شكوك فلسطينيي سوريا ومخاوفهم المشروعة من تجهيل وطمس روايتهم وانتماءهم وهويتهم مستقبلاً.

(بلا وطن) مقابل الاقامة والجنسية

 الصحفي والكاتب الفلسطيني السوري عدنان علي الذي يقيم حالياً في فرنسا، قال إن قرابة 150 ألف لاجئ فلسطيني فروا إلى دول أوروبا والدول الإسكندنافية، واستراليا وامريكا اللاتينية كتبت لهم عبارة (بلا وطن) على جواز سفرهم مقابل الاقامة والحصول على جنسية الدولة المضيفة.

مردفاً أنه بالرغم من أن نسبة الفلسطينيين الذين قد يكونوا تحصلوا على جنسية أوروبية ليس بالعدد الكبير حتى الآن، إلا إنه في تزايد، ولن تمضي سنوات قليلة حتى يكون معظم الأطفال الفلسطينيين سواء ممن ولدوا في أوروبا أم قدموا صغاراً، قد حصلوا على جنسية إحدى الدول الأوروبية، وخاصة في البلدان التي تمنح فيها الجنسية بشكل شبه أوتوماتيكي مثل هولندا والسويد.

مضيفاً أن الاندماج في المجتمعات الجديدة سيكون أسهل على الأطفال أيضا لأنهم لم يعرفوا بيئة أخرى من قبل، وليس لديهم ذكريات يحنون إليها كما هو حال آبائهم، وكل حياتهم ومعارفهم وصداقاتهم، تكاد تنحصر في المكان الذي هم فيه، ما يجعل هذا المكان هو “الوطن” الفعلي لهم، وفكرتهم عن “الوطن الاخر” أي المكان الذي وفد منه آبائهم وهو سوريا، ووطنهم الأصلي، وهو فلسطين، مجرد أحاديث قد يسمعونها من الإباء، لكنها لن تعني الكثير إذا لم يمتلك الآباء وعياً كافياً لغرز قيمة عليا للوطن الأصل في نفوس أبنائهم، مستطرداً لا يمكننا، ومن غير المنطقي، أن ندعو أحداً لعدم الحصول على الجنسية الأوروبية، فهي تسهل حياة الأفراد وتنقلاتهم، بما في ذلك إمكانية زيارة الوطن الأم فلسطين، لكن من المهم أن يتم بشكل مستمر، وعبر وسائل مختلفة، تعليم الأطفال أن لهم وطن أم وان استعادة هذا الوطن هي مهمة الأجيال المقبلة، وإن عليهم أن يعتزوا بأصلهم ووطنهم، ويتابعوا أخباره، ويتعرفوا على جغرافيته وتاريخه، مع يقين بأنهم عائدون لهذا الوطن في يوم من الأيام.

غرباء على خريطة العالم

 أكد وسيم عمايري صحفي فلسطيني يقيم في النمسا حالياً، أن النمسا مثلها مثل أي بلد أوروبي تعتبر الفلسطيني بلا وطن وعديم الجنسية، مشيراً إلى أن الفلسطيني مستثنى من التنازل عن جنسيته الأم لأنه يصنف أصلاً بلا وطن، ولكنها تؤخر من عملية منح الجنسية النمساوية، حتى أن الأطفال لا يحصلون عليها إلا في حال تجنيس الوالدين، رغم توقيع النمسا على اتفاقية حقوق الطفل الذي ينص على عدم وصف الطفل بعديم الجنسية، إلا أن النمسا لا تقر بذلك رغم توقيعها عليها.

وذكر عمايري أنه بالنسبة للأشخاص فوق 18سنة يخضعون للقوانين النمساوية بحذافيرها من ناحية شرط العمل ثلاث سنوات دون الحصول على مساعدات وبدخل يتناسب مع عدد أفراد الأسرة ومستوى متقدم باللغة.

  عبارة “بلا وطن” ليست مقتصرة على الفلسطيني

يذكر الصحفي الفلسطيني السوري خالد السلوم المقيم في السويد أن دائرة الهجرة السويدية تصنف الفلسطيني من سورية بفئة “بلا وطن” التي تضم عدداً من الجنسيات، وعن تأثيرها على الفلسطيني السوري فلم نجد ما يؤثر سلباً على حياتهم المدنية والحقوقية، فهم كأي فئة في السويد لديهم الحق بالإقامة، مع الملاحظة أن سياسة التشديد لم تكن لاعتبار أن بلا وطن ولكن على اعتبار أن عدداً منهم أتوا من مناطق آمنة من سورية، وهم سيّان مع السوريين، كذلك يحق للفلسطيني السوري المصنف بلا وطن بالتعليم والصحة والعمل كبيراً كان أو صغيراً، ولم يشكو أحد من فلسطينيي سورية بتعامل خاص سواء سلباً أم إيجاباً في موضوع لمّ شمل عائلته من دول خارج أوروبا.

وأما من ناحية الجنسية يجد الفلسطيني السوري تسهيلات أكبر من غيره، فمنحه الجنسية يتحقق بعد مرور 4 سنوات بينما فئات أخرى تتطلب مرور 5 سنوات حتى تستطيع التقديم على الجنسية، أما التأخير في معالجة الطلبات فهو على الجميع وليس فقط على فلسطينيي سورية.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/47si

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top