غرق روند بدد أحلام عائلتها بلقائها وكشف حجم المأساة

فايز أبو عيد

بدد الموت أحلام اللاجئ الفلسطيني السوري “محمد العايدي”، البالغ من العمر 49 عامًا، بلقاء ابنته “روند” مواليد عام 1998التي قضت غرقاً في بحر إيجة قبالة السواحل اليونانية يوم 24/12/2021، والتي أودت بحياة 17 طالب لجوء بينهم 8 لاجئين فلسطينيين سوريين.

العايدي الذي عايش كافة الأحداث المؤلمة التي ألمت بمخيم اليرموك من قصف وحصار وتجويع، وكان شاهداً بسبب عمله كسائق إسعاف وأحد العاملين بالمجال الإغاثي على عشرات الحالات الإنسانية التي يندى لها الجبين وتدمع لها العين، ومن ثم انتقل إلى قدسيا بريف دمشق وبعدها قرر الهجرة عن طريق إدلب فتركيا واليونان لينتهي به المطاف مع زوجته وبناته في ألمانيا، كان يٌمني النفس بلقاء أبنته روند التي تعثر لم شملها بحجة أنها بلغت سن 18 عاماً، وضمها إلى صدره وتقبيلها.

معاناة مستمرة

وصل محمد العايدي بعد طول عناء وعذاب إلى ألمانيا يوم 22 / 11 / 2015، وفور وصوله مكث عدة أيام عند أحد أصدقائه كي يستعيد عافيته، وبعدها قام بتسليم نفسه إلى البوليس الألماني، وهناك تمت الإجراءات الاعتيادية من أجل تسجيله كلاجئ وفرزه إلى أحد مركز إيواء اللاجئين، وبعد فرزه واستقرار الحال به في ألمانيا أحس العايدي بنوع من الراحة وأنه وصل إلى بر الأمان، إلا أن ذاك الشعور لم يدم طويلاً بسبب بعد عائلته عنه، يقول ” لم أر أطفالي وزوجتي منذ ست سنوات وهم الآن يعيشون حياة قاسية ويعانون من أوضاع معيشية مزرية في الأردن نتيجة عدم وجودي إلى جانبهم”، ويروي بحسرة كيف رفضت ابنته ذات الست سنوات التي لم يرها منذ أن كان عمرها عشرة أشهر الحديث معه على السكايب لأنه غريب عنها ولا تعرفه، هذا الموقف أثر على حالته النفسية بسبب القوانين الألمانية التي باتت تضيق الخناق على اللاجئين فيها، حيث جاءت تلك التضييقات من خلال مجموعة من التعديلات في القوانين الألمانية الخاصة بالتعامل مع طالبي اللجوء جرت مؤخراً، وتُوّجت بقرار صدر يوم 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 عن المحكمة الإدارية العليا في ولاية “شليسفيغ هولشتاين – Schleswig-Holstein” الألمانية، مما يعني أن “اللاجئين السوريين لهم الحق في أن يُمنحوا حماية ثانوية – مؤقتة، وليس من الضروري توفير الحماية الكاملة لهم – وضع اللاجئ”.

حصل ما كان يخاف منه فبعد أكثر من عام على إقامته في ألمانيا تم منحه إقامة لمدة عام مما يعني عدم لم شمل عائلته التي تعيش شظف العيش في الأردن، والتي يتوق شوقاً لرؤيتها وضم بناته الخمسة إلى صدره والجلوس معهم.

قوارب الموت الخيار الوحيد

ويضيف العائدي أنه بفضل من الله وبعد حصوله على الإقامة في شهر 10 سنة 2017، قام بتقديم طلب لم شمل لعائلته المكونة من زوجته وبناته الخمسة، مشيراً إلى أن الأمور بدأت بالانفراج حيث قامت السفارة الألمانية في الأردن بإجراء مقابلات مع أسرته من أجل “الشمل”، وكان عمر ابنته “روند” حوالي 19 عامًا في ذلك الوقت، وعندما أجروا المقابلة معها شعر بالاطمئنان لأنه كان يخشى أن يرفضوا مقابلتها لأنها أكبر من 18 عامًا.

ما تخوف منه العايدي حصل فعندما ذهبت عائلته لاستلام التأشيرات، لم تكن تأشيرة ابنته “روند” من بينها، بحجة أنها أكبر من 18 عاماً، اضطرت العائلة التي كانت تعيش حياة شقاء في الأردن أن تذهب إلى ألمانيا على أمل إيجاد طريقة مناسبة للم شمل ابنتهم، إلا أن ذلك لم يتحقق رغم المحاولات العديدة التي قام بها الأب، والتي تواصل فيها مع كافة المنظمات الحقوقية والصليب الأحمر وحتى إلى الكنيسة، لاستقدام ابنته بطريقة شرعية أو كحالة إنسانية أو غيرها، لكنه لم يفلح واصطدم بتعنت القوانين.

وعند ذلك لم يكن متاحاً أمامه بعد أن أغلقت جميع الأبواب بوجهه وأمام ألم ولوعة والدتها على فراقها، سوى اختيار طريق الهجرة غير النظامي للم شمل ابنته.

 فاجعة مأساوية

لم يكن يخطر ببال محمد العايدي الذي لم يجد وسيلة إلا واتبعها من أجل لم شمل ابنته روند بأن قصص غرق اللاجئين في البحر ومعاناة عائلتهم وفقدانهم لهم التي سمع وقرأ عنها سوف تحدث معه بشكل حقيقي، ولم يكن يتخيل في يوم من الأيام أن لقائه بابنته بعد عشر سنوات من الفراق سيكون لقاء وداع أخير، وسيقوم بدفن جثمانها بيده، صحيح أن الموت هو الحقيقة المطلقة في هذه الحياة وهو مصير كل حيّ، إلاّ أن مشاعر الحزن والشعور بالفقد تكون قوية جداً في حال فقدان قطعة من القلب، كما أنه يكشف وجهاً آخر للمعاناة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني بشكل عام واللاجئ الفلسطيني بشكل خاص بفعل الظروف القاسية والحرب اللعينة التي انعكست سلباً عليهم، حيث أن معاناته لا تنتهي بموت أحد أفراد عائلته أو أقربائه، بل تستمر إلى ما بعده! فبعض الناس حينما تفقدهم، لا تكون المشكلة حينها في وجع الفراق فقط، بل لإحساسك أنك فقدت أشياءً منك أنت، أشياء بداخلك لا تدرك ما هي، لدرجة أنك تعيش موجوعًا أكثر من شعورك بالوجع تجاه من فقدتهم أو رحلوا عنك.

قاسيةٌ سنوات الحرب علينا، لم تترك لنا حبلَ نجاة إلّا وقطعته ولا عزيز إلا وحرمتنا منه، ولا ذكريات وأحلام إلا بددتها، وهنا لا يسعني إلا أن اختم برسالة أحد الكتاب والصحفيين الذي قال: “رسالتي الأخيرة ستكون للحرب، نعم للحرب، قد تقول عني (مجنون)، لأنّ الحرب لا تُخاطَب، لكنني سأخاطبها قائلاً: كفاكِ بطشاً بنا، فقد أكلت البحار من لحومنا، لكنني مضطرٌ لاحترامك واستيعاب ضرباتك، فقط لأنك مرسلةٌ من الله”.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/oljw

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top