فايز أبوعيد
لاجئون فلسطينيون سوريون اتعبتهم رحلة اللجوء وقضى مضاجعهم أزيز الرصاص وتعرضهم للقصف ما أدى إلى دمار بيوتهم وفقدانهم كل ما يملكون، فخرجوا من مخيماتهم في رحلة تيه جديدة للبحث عن الآمن والأمان، فلم يجدوا أمامهم من مناص بعد أن لفظتهم معظم البلاد العربية إلا خوض غمار البحر وركوب قوارب الموت، إلا أن تلك الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر وأدت إلى هالك الكثيرين منهم، ورسمت منعطفاً جديداً في درب آلامهم وأوجاعهم.
محمد (30 عاماً) من أبناء مخيم اليرموك يشكو بثه وهمومه إلى الله بعد أن فقد زوجته هبة وابنتيه سارة وناريمان أثر غرق السفينة التي كانت تقلهم إلى إيطاليا قبالة الشواطئ المالطية والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء من اللاجئين الفلسطينيين السوريين، مأساة محمد وما تعرض له هي مأساة شعب بأكمله هجر وطرد من دياره ويحلم باليوم الذي يعود فيه إلى ثرى وطنه، لم يخطر ببال محمد عندما قرر أن يفر من جحيم الحرب الدائرة في سورية بأنه سيكابد الأمواج العاتية، وهو يبحث في باطن المجهول عن مكان أمن له ولعائلته التي أراد أن يوفر لها حياة كريمة، إلا أن القدر شاء عكس ما تمنى فكان المصاب الجلل فقدانه كامل عائلته وهذا ما يدفعه اللاجئ الفلسطيني ضريبة صراعات يكون في معظم الأحيان هو الضحية الوحيدة فيها.
أما سامي ابن مخيم حندرات في حلب والذي فقد زوجته وولديه في الرحلة التي خرجت من مدينة زوارة الليبية متجهة نحو ايطاليا والتي غرق بها العشرات من اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين فكان أكثر صلابة وتماسكاً بتسليم قضاء الله فقال عند سؤاله عن فقدانه لأعز الناس لديه:” لله ما أعطى ولله ما أخذ” نحتسبهم عند الله شهداء، وأضاف لقد عملت منذ بداية الأحداث في سورية على إبعاد أبنائي عن ساحة الصراع الدائر فيها، لذلك قررت السفر مع عائلتي إلى ليبيا منذ أكثر من عام إلا أن الأوضاع الأمنية السيئة فيها دفعتني للتفكير بالهجرة إلى أوروبا، وكان ما كان الحمد لله، وأردف لقد فقدت أمي وولدي ومن هنا أوجه للعالم ولكل منظمات حقوق الإنسان نداء بلسان اباء كل من فقد ابنه أو أحد أفراد أسرته من اللاجئين الفارين من ساحات الموت إلى أوروبا عبر قوارب الموت” بأن اتقوا الله فينا ألسنا بشراً مثلكم؟؟!!.
فاطمة ( 75 عاماً) عاشت نكبة فلسطين الأولى والآن تعيش النكبة الثانية ورغم كبر سنها إلا أنها لم تجد أمامها من مفر إلا أن تلج البحر مع ابنها وأحفادها الخمسة ،تتنهد وترتسم عل محياها علامات الحزن على فراق أعز الناس عند سؤالي لها عما جرى فتجيب بصلبة المرأة الفلسطينية القوية والممزوجة بإحساس كبير” يا حسرتي” لقد شهدت اللجوء والتهجير للمرة الثانية وأظن أن ما جرى اليوم هو أبشع وأكثر مرارة مما شهدناه في المرة الأولى منذ أكثر من 65 سنة، وترفع برأسها إلى السماء وهي تحبس دمعتها وتقول: “أرحموا شبابنا ونساءنا وأطفالنا الذين أصبحوا طعاماً للأسماك في قاع البحر” أما آن للفلسطيني أن ينعم بحياة كريمة، أما آن للفلسطيني أن يكون له وطناً يعيش فيه
وبدوره اعتبر اللاجئ حسان من سكان مخيم العائدين بحمص والذي خاطر بنفسه وعائلته وركب قوارب الموت للبحث عن ملاذ آمن بأن ما يعيشه الفلسطيني السوري اليوم هو نموذج مصغر لما حل ويحل بشعبنا الفلسطيني، الذي ما يزال يدفع الضريبة الباهظة لجريمة اقتلاعه من أرضه ودياره، وأضاف أن الشعب الفلسطيني ما برح يعاني ويقدم الشهداء على مذبح الحرية لنيل حقوقه، لذا لابد من العمل الجدي لتعزيز صمودهم وتمكينهم لضمان تمسكهم بحقهم في العودة وعدم التفريط به.
لقد بات اللاجئ الفلسطيني السوري يشعر بقرارة نفسه أنه غريب في بره وبحره، بعد أن تكالبت عليهم الظروف التي رسمت أخاديد من الحزن والوجع والألم على جباههم.