فايز أبو عيد/دمشق
وُلد تجمع العودة الفلسطيني (واجب) في 24 كانون الأول، ديسمبر2006م، من رحم معاناة وآلام الشعب الفلسطيني الذي عانى مرارة اللجوء وآلام التشرد إثر نكبة فلسطين التي هجرته إلى جهات الأرض الأربع. تجمع العودة الفلسطيني (واجب) مؤسسة أهلية فلسطينية تقوم على نشر ثقافة العودة المبنية على رؤية (الوجوب) وعدم أحقية أي جهة بالتنازل عن حق العودة إلى الديار والممتلكات، سواء أكان فرداً أم مجموعة سياسية أم دولية أم شعبية مهما كان حجمها، وعلى أرضية التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية وترسيخ مفهوم حق العودة لدى أبناء الشعب الفلسطيني في سوريةبكل أطيافه وفئاته العمرية.
سعى تجمع (واجب) منذ بداياته إلى إبراز قضية العودة بمستوياتها الشعبية والإعلامية والبحثية، والمطالبة بهذا الحق والدعوة إلى التمسك به، وذلك من خلال أنشطته المتنوعة المختلفة التي ركزت على ترسيخ مفهوم (واجب)، العودة، في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني؛ فحق العودة إلى ثرى فلسطين في نهج عمل تجمع واجب هو أكثر من حق فردي، بل هو واجب شرعي وقانوني ووطني على كل فلسطيني منكوب، وهذا الحق لا يجوز التنازل عنه قبل الحصول عليه.
استطاع تجمّع واجب أن ينبش الذاكرة ويسلط الضوء على هموم اللاجئين ومعاناتهم وتذكيرهم بآلامهم الناجمة عن تشريدهم وطردهم من وطنهم، من خلال الفعاليات والأنشطة وإقامة المحاضرات والندوات والمؤتمرات، التي يستضيف فيها النخب الفلسطينية ورجالات السياسة وأصحاب القرار والأكاديميين التي يطرح فيها قضايا مهمة وآخر مستجدات الساحة الفلسطينية وانعكاساتها على مصير قضية اللاجئين، فضلاً عن المعارض والمسابقات والمسيرات وفعاليات الطفولة والعروض الإعلامية والسينمائية، والندوات الأدبية والأمسيات الشعرية والفعاليات المفتوحة، كذلك عمل تجمع واجب على تعزيز ارتباط الفلسطيني بقضيته ووطنه، ورفع مستوى وعيه، وتحصينه ضد التدجين والنسيان، وضد اليأس والإحباط، وبقاء فلسطين جذوة في قلبه لا تنطفئ، وعلى إيصال رسالة إلى العالم أجمع، مفادها أن الشعب الفلسطيني الذي يعيش خارج وطنه لا يزال متمسكاً بحقه في العودة إلى هذا الوطن، وتحديداً إلى أرضه ودياره وممتلكاته التي أخرج منها.
أقسام التجمع
كلّل تجمع واجب مسيرة عمله بجملة من النشاطات المميزة على أكثر من صعيد؛ فقد شهدت السنوات الماضية من عمره العديد من النشاطات البارزة والإنجازات والجهد المتواصل، حيث استطاع خلالها أن يصبح من أبرز المؤسسات والمنظمات المدافعة عن حق العودة.
أوّلاً: التوثيق الشفوي
استشعر تجمع واجب أهمية التوثيق والتاريخ الشفوي من كونه قرينة مهمة من الممكن استخدام شهادات شهود النكبة وتقديمها كوثائق أمام المحاكم الدولية لإدانة ما جرى للشعب الفلسطيني من كارثة مبرمجة، وكذلك إيماناً منه بأن كتابة التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر، كانت وما زالت، شكلاً من أشكال مقاومة التشويه الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. وانطلاقاً من الحاجة الماسّة لصون الذاكرة الوطنية الجماعية الفلسطينية وحفظها من الضياع، بدأ قسم التوثيق والتاريخ الشفوي في تجمع (واجب) عمله تحت شعار (سباق مع الزمن)؛ إذ إن كثيراً من شهود النكبة وشهود الأحداث الفلسطينية قد وافتهم المنية. من أجل ذلك، عمل على تنشيط الذاكرة الفلسطينية وإحياء القرى المدمرة، وكتابة رواية فلسطينية عربية عن النكبة، وخلق تواصل اجتماعي بين أبناء القرى الفلسطينية، والعودة إلى جذور العائلات الفلسطينية، وتوثيق الجريمة الصهيونية بكافة أشكالها، وتوثيق السيرة الذاتية لرجالات فلسطين بكافة شرائحهم وتخصصاتهم. ومن أجل ذلك، كرس فريقاً متكاملاً لهذا العمل، واستطاع إجراء أكثر من (550) لقاءً مع شهود النكبة.
ثانياً: الأبحاث والدراسات
يهدف قسم الدراسات والأبحاث في واجب إلى توضيح ماهية حق العودة بنحو علمي وأكاديمي، ووضع منهجية بحثية متكاملة لدراسة القرى الفلسطينية المدمرة ودراسات خاصة بالطفل الفلسطيني، وتعزيز ثقافة العودة وتعميق المعرفة بواقع المخيمات الفلسطينية بكافة الوسائل، ليتمكن اللاجئ من خلالها من تحديد هويته وتسليط الضوء على القضايا المحورية والطارئة في قضية اللاجئين وحق العودة، من خلال إجراء الأبحاث النظرية والميدانية بمختلف جوانبها المتعلقة بقضايا اللاجئين الفلسطينيين ونشرها على نطاق واسع، وقد بلغ عددها إلى الآن أكثر من 40 دراسة موجزة (مقالات علمية). وحرص قسم الدراسات في تجمع (واجب) على طباعة العديد من الكتب والإصدارات الإلكترونية التي تتناول كافة نواحي قضية اللاجئين لتكون بمثابة المرجع الأساسي للمهتمين والباحثين في هذا الجانب.
إعلام واجب
إيماناً من تجمع (واجب) بأن غياب طرح موضوع حق العودة من قبل وسائل الإعلام ومن قبل الصحافيين والسياسيين سيؤدي إلى غيابه تدريجاً من العقلية العالمية، بل والإسلامية والعربية والفلسطينية، لذلك أعطى للإعلام القديم والحديث أهمية كبيرة لبقاء حق العودة متقداً ومشتعلاً في قلوب اللاجئين وعقولهم. وبناءً على ذلك، عمد تجمع واجب إلى إقامة شبكة من العلاقات الإعلامية الواسعة مع جميع وسائل الإعلام في سورية والبلدان العربية والعالم، الهدف منها خدمة القضية الفلسطينية وترسيخ مفهوم حق العودة في أذهان اللاجئين من خلال برامجه ومشروعاته الإعلامية، سواء في الحقل الإذاعي من خلال برنامج حق العودة، وهو برنامج إذاعي أسبوعي حواري، يسلط الضوء على مضامين مهمة تندرج تحت عنوان واحد، هو حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، عبر استضافته الأدباء والكتّاب والمهتمين بقضية اللاجئين، وذلك لتحليل آخر المستجدات والأخبار على الساحة في ما يتعلق بقضية اللاجئين وحق العودة. وقد بلغ عدد ساعات بثه أكثر من 200 ساعة خلال الخمس سنوات الماضية، كان لها الأثر الفاعل في توعية اللاجئين الفلسطينيين وترسيخ مفهوم حق العودة لديهم، أو من طريق موقع (واجب) الإلكتروني، حيث يعمل التجمع على تحديث صفحته الإلكترونية يومياً تحت عناوين متعددة، كلها ذات صلة بموضوع اللاجئين. ويضم الموقع أرشيفاً كاملاً لأنشطة واجب منذ الانطلاقة وحتى الآن. ويرصد الموقع أيضاً أخبار اللاجئين وحق العودة وكل جديد في هذا الموضوع.
هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أن موقع تجمع واجب الإلكتروني قد حاز ضمن التصنيف العالمي للمواقع (ألكسا) الترتيب الثاني في العالم بين المواقع المختصة بقضية اللاجئين الفلسطينيين.
إصدارات إلكترونية
أصدر تجمع العودة الفلسطيني (واجب) قرصاً تفاعلياً ضم أضخم موسوعة من صور القرى والمدن الفلسطينية بعنوان (هوية وطن)، وقد امتاز بسهولة استخدامه وتلقائية العرض الصوري فيه المصاحب للأهازيج والأناشيد الوطنية، حيث اشتمل على نبذة تاريخية وجغرافية عن كل مدينة رئيسية من مدن فلسطين، بالإضافة إلى خريطة مفصلة لكل قضاء.
وأصدر(واجب) أيضاً فيلماً بعنوان (فوق الألم)، يروي حالة الإبداع لدى مجموعة من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في سورية، حيث يظهر الفيلم أنه بالإرادة والتصميم وتحدي الصعاب يمكن الإنسان أن يتغلب على واقعه وظروفه، إضافة إلى إصدار ألبومه الصوتي الأول بعنوان «مشتاق» للمنشد الدكتور باسم السويركي، الذي يحتوي على ثماني قصائد من كلمات ثلة من الشعراء وألحان العديد من الملحنين الملتزمين، وألبومه الصوتي الثاني بعنوان «حن الوطن» من أداء المنشد عبد الفتاح عوينات، حيث يضم الألبوم ثماني قصائد من كلمات ثلة من الشعراء وألحان مجموعة من الملحنين الملتزمين. ويذكر أن كلمات القصائد تناولت في طياتها الشوق والحنين إلى فلسطين، مؤكدة أهمية العودة إلى ثرى الوطن.
لجان واجب
يمارس تجمع العودة الفلسطيني (واجب) نشاطاته من خلال اللجان التي شكلها من أبناء المخيمات والتجمعات الفلسطينية، حتى إن عدد لجان واجب قد بلغ 16 لجنة على امتداد الرقعة الجغرافية للجمهورية العربية السورية موزعة داخل المخيمات الفلسطينية. تعمل هذه اللجان على استقطاب أبناء الشعب الفلسطيني انطلاقاً من الخطة الأساسية التي وضعتها الإدارة العامة للتجمع وفق آليات ووسائل متعددة، على أرضية التمسك بالثوابت الوطنية، وعلى رأسها حق العودة إلى كامل فلسطين من البحر إلى النهر. ولتحقيق هذا الهدف شكلت كل لجنة من لجان واجب العديد من اللجان الفرعية، كلجنة النشاط ولجنة التاريخ الشفوي ولجنة العلاقات العامة ولجنة الشباب واللجنة العلمية واللجنة الإعلامية، بالإضافة إلى رئاسة اللجنة وأمانة السر، ليكون عملها ممنهجاً ووفق خطة مرسومة تستطيع من خلاله نشر ثقافة العودة وترسيخها في عقول وقلوب أبناء الشعب الفلسطيني داخل المخيمات.
وكذلك اهتم تجمع العودة الفلسطيني (واجب) بالمرأة الفلسطينية التي هي الأم والأخت والشهيدة والمربية والممرضة التي تزرع في قلوب أبنائها وعقولهم حب فلسطين، فكانت اللجنة النسائية هي ثمرة ذاك الاهتمام وتوزعت في كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية (اليرموك، السيدة زينب، سبينه، الحسينية، جرمانا، خان دنون، ركن الدين، حمص، حلب وغيرها).
فعاليات مميزة ومشاريع مبتكرة
قام تجمع واجب عدداً من المؤتمرات والفعاليات والنشاطات المتميزة التي ميزته عن غيره من لجان حق العودة في سورية، ومن تلك الفعاليات مؤتمر واجب الأول الذي عقده تحت عنوان «آفاق في قضية اللاجئين وحق العودة في الذكرى الستين»، وذلك في الحادي والعشرين من آب (أغسطس) 2008، في دمشق، برعاية الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، وحضور قادة العمل الوطني الفلسطيني وممثلي المؤسسات الفلسطينية الشعبية، وبخاصة المختصة منها بحق العودة، وبمشاركة وفود ومشاركين من الشتات الفلسطيني في العالم العربي وأوروبا، من بينهم ممثلون عن اللاجئين الفلسطينيين في العراق ولبنان.
أما الفعالية الثانية، فكانت حلقة النقاش التي نظمها في سورية الخميس 29 نيسان (أبريل) 2010م، وذلك في القاعة الشاميّة بالمتحف الوطني بدمشق، بعنوان «اللاجئون الفلسطينيون في سورية» بحَثَ من خلالها أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية.
وفي عام 2010 عقد تجمع واجب مؤتمراً تقويمياً لأدائه بحضور أكثر من 150 من المتطوعين في برامجه من الشباب الناشط في مختلف المخيمات الفلسطينية، تضمن العديد من ورش العمل التي ناقشت وقوّمت العمل في الفترة السابقة، ووضعت الاقتراحات والآليات للارتقاء بعمل التجمع في المستقبل. وكان هدف المؤتمر، كما جاء في كلمة المدير العام للتجمع طارق حمود، في حفل الافتتاح «أنه وقفة مع الذات، وتقويم جدوى عمل التجمع كحركة عودة شعبية، بهدف الوصول إلى صيغة عمل جماعي يشارك فيها كل أبناء اللاجئين في المخيمات الفلسطينية»، إضافة إلى أن هذا المؤتمر مثّل خطوة على طريق طويل لمأسسة عمل المنظمات الأهلية الفلسطينية لتشكيل حركة شعبية فاعلة ومنسجمة مع توجهات اللاجئين نحو حقوقهم الثابتة.
يوم القرية.. نشاط مميّز
“نشاط يوم القرية الفلسطينية”، هو أحد النشاطات المميزة التي يقوم بها تجمّع (واجب)، ولدت فكرته من صلب عمل قسم الدراسات والأبحاث، الذي وضع من أولوياته البحث في الذاكرة الفلسطينية، ومحاولة تنشيطها، ومن ثم الكتابة عن تلك الذاكرة من حيث مكوناتها الجغرافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والعلمية والدينية، ومجمل الحياة النابضة فيها وتوثيقها.
يوم القرية الفلسطينية آخذ أهميته من ذاك القبول والصدى الواسع الذي لقيه من أبناء اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في سورية وخارجها، حيث يتناول هذا النشاط البحث في الذاكرة الفلسطينية، والكتابة عنها وتوثيقها، في كل يوم من أيامه واحدة من القرى الفلسطينية المدمرة عام 1948، وينتقل في كل مرة من مخيم إلى آخر ومن قرية إلى أخرى. لقد استطاع تجمع (واجب) من خلال هذا النشاط تنشيط الذاكرة الفلسطينية لدى الأجيال التي لم تر فلسطين بعينها، بل عشقتها بقلبها وعقلها وعشقت معها سهولها وشوارعها وبساتينها وبياراتها وبرتقالها، فأصبحت أكثر التصاقاً بالأرض الفلسطينية وتوقاً للعودة إليها، راسماً بذلك طريق العودة الذي بات أقرب من أي وقت مضى، وكأن (واجب) بهذا النشاط يسوقنا إلى السؤال الذي طالما يردده اللاجئون الفلسطينيون متى سنعود، مبرزاً أفقاً جديداً لأسئلة جارحة تعري كل من يتآمر على حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره؛ فقد بلغ عدد الأنشطة التي أقامها تجمع (واجب) 19 يوم قرية، تضمنت تاريخ القرية ولقاءً لشهود النكبة وتكريمهم، وعرض فيلم عن القرية قبل النكبة وبعدها ومعرضاً للصور يُذكّر أبناء القرية بقريتهم ويرسخ في أذهانهم وقلوبهم حب فلسطين.
مشروع المؤاخاة
أما على صعيد العلاقات الخارجية، فقد شارك تجمع واجب بمشروع “المؤاخاة بين العائلة التركية والعائلة الفلسطينية”، الذي أطلقته مؤسسة “يارديلمي” (يد المساعدة) الخيرية التركية بالتعاون مع تجمع “واجب”. وقد أُطلق المشروع رسمياً خلال حفل حاشد حضره ممثلاً عن واجب أمينه العام طارق حمود في أيار (مايو) المنصرم.
وأوضح التجمع برامجه ومشروعاته الإعلامية، سواء في الحقل الإذاعي أو الإلكتروني أو الشبكي، فضلاً عن الوسائل الأخرى المطبوعة والمرئية وغيرها. أخيراً، يمكن القول إن تجمع العودة الفلسطيني (واجب) استطاع من خلال عمله ونشاطاته وبرامجه المكثفة والمركزة على نشر ثقافة وجوب حق العودة أن يرسخ هذا الحق في عقول الكبار والصغار، وأن يلامس هموم اللاجئ الفلسطيني، تاركاً بين يديه وطناً عصياً على النسيان يذكره بماضيه وحاضره ومستقبله، يعلمنا تجمع واجب كيفية الدفاع عن حق العودة صارخاً: «إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر أن نغير المدافعين، لا أن نغير القضية»