فايز أبو عيد – دمشق
اختار اللاجئون الفلسطينيون منذ بداية الأزمة السورية سياسة الحياد الإيجابي وعدم التدخل بالشؤون الداخلية لها كونهم ضيوف على هذا البلد، ولكن مع بداية الأزمة السورية زجت المخيمات الفلسطينية بالأزمة وخاصة مخيم الرمل في اللاذقية الذي اعتبر المسبب الرئيسي لهذه الأزمة ومن ثم تتالت محاولات الزج بهم من خلال الاغتيالات التي طالت بعض ضباط جيش التحرير الفلسطيني فقد تم اغتيال العقيد الركن رضا الخضراء ،العقيد الركن عبد الناصر مقاري، والمقدم باسل أمين علي وغيرهم ومن ثم زج مخيم درعا فنال نصيبه من التشريد وشتات الشتات فلجأ العديد منهم إلى المخيمات الفلسطينية، بعد أن اتهمت مجموعات سلفية فلسطينية تابعة لمنظمة “جند الشام” ومنظمة “فتح الإسلام” بالتورط في الأحداث الأولى التي شهدتها مدينة درعا، إضافة إلى قتل 17 مجند من عناصر جيش التحرير الفلسطيني من مخيمي حندرات والنيرب بحلب وأخيرا ما شهده مخيم اليرموك من أحداث متتالية وسريعة كانت بدايتها عندما خرج المئات من أبناء المخيم في مسيرات مناهضة ومنددة بجريمة قتل 17 جنديا من جيش التحرير الفلسطيني بعد اختطافهم بالقرب من مخيمي النيرب وحندرات في حلب، للمطالبة بعدم توريط الفلسطينيين بما تشهده سورية من أحداث أمنية ولكن تلك المظاهرة راح ضحيتها قرابة الـ 10 من شباب المخيم والعشرات من الجرحى ،وبعد ذلك ما حدث يوم 18/7/2012 من سقوط قذيفة هاون على جامع الرجولة مما أدى إلى عدد من الإصابات بين السكان وأسفر ذلك القصف عن استشهاد أربعة من أبناء المخيم،والحدث الذي فجع أبناء مخيم اليرموك وهز كيانهم هو الجريمة البشعة التي استهدفت حي الجاعونة والتي راح ضحيتها أكثر من 20 شهيدا وعشرات الجرحى من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في سورية، هذا نهيك عن ما تعرض له مخيم السيدة زينب ومخيم العائدين في حماة وحمص وسبينة والرمدان وغيرها من المخيمات الفلسطينية من أذى وسقوط للشهداء وتشريد عدد كبير منهم وفرارهم إلى الدول المجاورة كالبنان والأردن، وهناك من يعزو سبب اقحام المخيمات في أتون الصراع الدامي التي تشهده سورية هو الموقع الجغرافي المتداخل للمخيمات مع المناطق الساخنة، وهنا لابد من طرح السؤال التالي والذي يثير بدوره العديد من علامات الاستفهام ، من له مصلحة في إقحام المخيمات الفلسطينية في خضم الأزمة السورية؟ وهل توريط الفلسطينيون والذين يبلغ نسبتهم 2.5% من مجموع سكان سورية سيحسم الصراع الدائر في سورية لمصلحة طرف على حساب طرفا آخر، وإلى متى يبقى اللاجئ الفلسطيني وقود للأزمات والمتغيرات السياسية التي تحدث في البلدان العربية.
عود على بدء
وبالعودة إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية انقسمت الفصائل الفلسطينية في الآراء حول الأزمة السورية فمنهم اعتبرها أزمة داخلية ويجب عدم تدخل فيها احتراما للحكومة السورية وللشعب السوري ومنهم من اعتبر انه يجب عدم التخلي عن سورية لما قامت به من دور اتجاه القضية الفلسطينية، وهذا الاختلاف في وجهات النظر انسحب على اللاجئ داخل المخيمات الفلسطينية، ولكن ذاك الاختلاف لم يدخل الفلسطينيون في متاهة الأزمة السورية، إلا انهم يواجهون اليوم ضغوط كبيرة ليكونوا طرفا في النزاع الدائر فيها، وهذا ما حصل بالفعل عندما بدأت بعض الجهات الفلسطينية بتسليح أبناء المخيمات الفلسطينية بحجة حماية أمن مخيماتهم، ولكنهم نسوا أو تناسوا بأن هذا السلاح سيكون وبالاً على هذه المخيمات لأن انتشاره بهذه الكثافة في أيدي ضعاف النفوس الذين لا يهمهم أين يوجهه وبصدر من يصوبه، هنا ستكون الطامة الكبرى ولهذا السبب يطالب اللاجئون الفلسطينيون بتدخل الفصائل الفلسطينية للحفاظ على حيادية المخيمات ويناشدون المنظمات الدولية وخاصة الأونروا لتحمل مسؤولياتها اتجاه اللاجئين الفلسطينيين وتقديم الحماية لهم ، وأخيرا يطالبون جميع السوريين بعدم زجهم بالشأن الداخلي السوري وتجنيبهم ويلات لا تحمد عقباها وخاصة أن اللاجئ الفلسطيني في النهاية هو الخاسر الأكبر في أية أزمة تدور رحاها على أي أرض عربية، كما يؤكدون أن معركتهم الحقيقية هي ضد الكيان الصهيوني وأن بوصلتهم هي فلسطين والعودة إلى ثراها مهما كلفهم ذلك من تضحيات .
شعب واحد مصير واحد ” واحد واحد فلسطيني سوري واحد” ربما اعتقد البعض أن هذا الشعار هو من الشعارات الرنانة التي لا تغني ولا تسمن ، ولكن من شهد احتضان جميع المخيمات الفلسطينية للأخوة السوريين الفارين من جحيم الاشتباكات المسلحة يدرك حينها بأن هذا الشعار قد اختزل الكثير الكثير من الأقوال للتجسد في الأفعال على أرض الواقع وذلك من خلال تهافت أبناء المخيمات لاستقبال أخوتهم السوريين الذين احتضنوهم على أرض سورية لأكثر من 64 عاما، والذين وجدوا في المخيمات ملجأ وملاذ أمن لهم ففتحت البيوت والمدارس والجوامع لهم، وبدأت تدب في المخيمات الفلسطينية حركة دؤوبة لتأمين كافة الأسر السورية التي نزحت من التضامن والحجر الأسود والميدان وغيرها من الأحياء المجاورة لهم ، اللاجئون الفلسطينيون صغيرهم قبل كبيرهم هبوا لتقديم يد العون والمساعدة فشكلوا فرقا أهلية وقاموا بتقديم المؤمن للنازحين السوريين، وفرقا طبية لتقديم العون للجرحى والمصابين، كما قام أهالي المخيمات بتقديم كل أشكال المساعدات من مأكل وملبس ومستلزمات للمبيت والنوم، أنه يوم لا يُمحى من الذاكرة، يوم تتناغم فيه وتواشج روابط التآخي السوري الفلسطيني في دم واحد ليمحي ويصهر كل الحدود الجغرافية المصطنعة وليظهر للعالم أجمع روح المحبة و الأخوة بلبوسها الإنساني تاركاً للسياسيين والقادة صراعاتهم الإزلية اللا إنسانية