غلاء المهور وتكاليف الزواج عبء ثقيل على كاهل الشباب الفلسطيني في سورية

فايز أبو عيد

تشكل تكاليف الزواج كابوساً مزعجاً وعبئاً ثقيلاً على الغالبية العظمى من الشباب الفلسطيني في سورية، نتيجة ما شهدته البلاد من أحداث دامية أثرت سلباً على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، وما رافقها من تدهور اقتصادي وغلاء الأسعار الجنوني، وعدم توفر مقومات الحياة الأساسية، حيث سجل بين عامي 2012 / 2016 وهي الفترة التي دخلت فيها الحرب السورية المرحلة الحرجة وكان للمخيمات الفلسطينية حصتها فيها، عزوف عدد كبير من الشباب عن الزواج، وانخفاض حاد في تسجيل حالات الزواج.

 كل تلك الأسباب وما رافقها من أرقام ومبالغ فلكية يطلبها أهل العروس كمهر لابنتهم، وما يتبعه من نفقات أخرى كتأمين الشبكة والأثاث والولائم والحفلات، ليصل إجمالي المبلغ المطالب به عريس الغفلة “كنفقات” العرس هو 100 مليون ليرة سورية قابلة للزيادة، جعل من حلم الزواج ليس حلم صعب المنال، بل إحدى المهمات المستحيلة، ودفعهم للإحجام والعزوف عنه والتفكير بالهجرة كبديل له.

تحديات وعقبات

يقول محمد شاب فلسطيني من أبناء مخيم السيدة زينب، لـ “مجموعة العمل “إن ليس لديه القدرة حتى على مجرد التفكير بالزواج في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها، ففكرة الزواج بالنسبة له باتت مستحيلة في ظل هذه الظروف الكارثية التي نعيشها وغلاء الأسعار الجنوني، مستطرداً تخيل خاتم الخطبة لوحده يحتاج راتب ستة أشهر بشرط أن تعيش بلا أكل وشرب.

مشيراً إلى أن أكبر تحديات الزواج أمام الشباب الفلسطيني في سورية، الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، في ظل تفشي البطالة وعدم وجود مورد مادي ثابت، أضف إلى ذلك الرواتب الحكومية المتدنية التي لا تكفي الفرد كمصروف شخصي، ومن المستحيل أن يستطيع الشاب سواء كان عاملاً أو موظفاً تكوين عائلة أو تجهيز منزل حتى بالآجار، فهو يحتاج مبالغ طائلة لذلك.

مضيفاً، أن سعر أي منزل في منطقة المخالفات يتجاوز 50 مليون ليرة وفرش المنزل يكلف أكثر من 20 مليون ليرة، في حال اشتريت أقل الأنواع جودة من الكهربائيات والمفروشات، فيما يتجاوز إيجار الغرفة الواحدة في أسوأ مناطق العاصمة دمشق 200 ألف ليرة.

سئمت تكاليف الزواج

 في معرض رده عن سؤالنا لماذا لم تتزوج حتى الآن أسامة/اسم مستعار/وهو شاب يبلغ من العمر 40 عاماً من مخيم درعا يجيب بطريقة تهكمية وهو يردد بيت للشاعر زهير بن أبي سلمى على طريقته لقد سئمت تكاليف الزواج ومن يقدم عليه لا محالة أنه مغفل، متابعاً حديثه والحسرة بادية على محياه، يضيع مني العمر من دون أن أكون أسرة وأنجب أبناء، حلم حياتي تدمر، ولكن ما باليد حيلة فالظروف القاسية وما مر علينا من مآسي وواقعنا المر نسفت أحلامنا وبددتها وجعلتها في مهب ريح عاصفة هوجاء تأخذ كل ما بطريقها.

ويتحدث أحمد أحد المقبلين على الزواج لا أستطيع فتح بيت، هذا باختصار المشكلة، متسائلاً كيف سأعمل على تأمين حياة مستقرة لزوجتي وأطفالي وحالة البلد ما زالت تتأجج اقتصادياً ويتأرجح معها اللا استقرار، مبرزاً مشقات الحياة وصعوبة التعايش مع الجوع والعطش والتشرد.

رابع المستحيلات

صنف يامن شاب من أبناء مخيم حندرات 28 عاماً إقدام الشباب في سورية في ظل الوضع الحالي بأنه من رابع المستحيلات وضرباً من الخيال، وذلك جراء تكاليفه باهظة الثمن التي تتعدى قدرة واستطاعة أي شاب في سورية، سيجمع مهره بالكامل، بالإضافة إلى تأمين حياته المستقبلية من خلال استئجار منزل وضروريات أخرى، فإنه سيحتاج إلى العمل لمدة عشر سنوات تقريبا، حتى يتمكن من الزواج.

خاتماً حديثه والألم يعتصر قلبه اليوم باتت المشاعر والحب لا يطعمان خبزاً، فنحن لا نستطيع ادخار المال بسبب الغلاء الفاحش، وليس بإمكاننا التأسيس لمستقبل أفضل، فالحل الوحيد والأمثل لنا هو السفر، وكل ما عداه كلام فارغ لا يغني ولا يسمن من شيء، وإذا أردت ثني وإقناعي بغير هذا الأمر لن أقول لك إلا شيء واحد تكفل بمصاريف زواجي ومتطلباته الأخرى وأعدك أن أعيد النظر بما قلت.

عزوف بسبب غلاء المهور

فيما يرى  سامر شاب من أبناء مخيم النيرب الذي يبلغ من العمر  38 عاماً، –  وهو أعزب –  أن غلاء المهور أحد أسباب عزوف الشباب عن الزواج في وقتنا الراهن ، فالشاب  المقبل على الزواج يُصدم من قيمة المهر الذي يطلبه أهل الفتاة رغم أنهم على حق بسبب الغلاء الفاحش الذي يضرب البلاد،  مشيراً إلى أن قيمة المهور في المخيم تتراوح بين 3 إلى 6 ملايين ل.س  فقط، بينما يتكلف أهل العروس بمبالغ إضافية خاصة إذا طالت فترة الخطوبة أكثر من عامين، كل هذا  يجعل الشاب  يبحث عن فتاة مناسبة ترضى بالزواج منه بأقل التكاليف التي يحددها بمخيلته وتتناسب مع تحويشة العمر.

يذكر أن سعر غرام الذهب عيار 21 قيراط بلغ 749 ألف ليرة للمبيع، وعيار غرام الذهب 18 قيراط إلى 643 ألف ليرة للمبيع.

تدمير للنسيج الاجتماعي

تعليقا على هذا الموضوع تحدث محمود عوض أحد الاخصائيين النفسيين في تصريح لـ “مجموعة العمل” قائلاً: “إن عزوف الشباب في سورية عن الزواج بسبب عدم قدرتهم على تأمين المهور وغلاء تكاليفه أدى إلى انتشار الأمراض النفسية بينهم، وازدياد العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج، وصولاً إلى تخلخل النسيج الاجتماعي بسبب ازدياد مظاهر السرقة والاحتيال والنصب بين بعض الراغبين بالزواج لتأمين مستقبلهم‏.

مضيفاً أن الأزمة في سورية أحدثت صدوع وتشققات كبيرة في أوضاع الشباب الفلسطينيين أثرت عليهم عميقاً في كافة الصعد، حيث انتشرت ظواهر عديدة بينهم، مثل ظاهرة العنف، والطلاق، والعنوسة.

العنوسة 70%

ذكر مراسل مجموعة العمل أن إحصائيات غير رسمية أشارت إلى أن نسبة العنوسة اقتربت من 70% في المخيمات الفلسطينية في سورية، مع وجود فتيات عازبات تجاوزن 30 سنة.

بدورها أوضحت احصائيات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب أن نسبة الذكور بين الفلسطينيين في سوريا قبل الأزمة كانت نحو 50.14% والإناث نحو 49.86 %، وهو ما تبدل كلياً خلال الأزمة نتيجة لهجرة نسبة كبيرة من الشباب الذكور إلى خارج سوريا، الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة العنوسة بين الفتيات، هذا عدا عن تكاليف الزواج الباهظة والتي باتت تمنع الشباب من الإقدام على الزواج.

ووفقاً لتلك الاحصائيات أن العنوسة بين الإناث والذكور أخذت بالاتساع كمن يلقي حجراً في بحيرة، وربما ليس في المدى المنظور أي حل لها، إلا بتحمل الجميع المسؤولية وتقاسمها للتخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل الشباب في أوقات صعبة يدفعون فيها ضريبة الحرب والاقتصاد المتهالك.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/mzs1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top