جرائم “إسرائيلية” مستمرة بحق المسجد الأقصى من ينقذ التاريخ من قبضة التدمير والتزييف؟!

فايز أبو عيد

يقول “تيودور هرتزل” مؤسس الحركة الصهيونية: “إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قروناً…”

لقد شكلت الكلمات السابقة “لهرتزل” دليل عمل لقادة الكيان الصهيوني في حملتهم المسعورة على المعالم الأثرية العربية والإسلامية والمسيحية والأماكن المقدسة لقطبي الهلال والصليب، والتي رافقت بواكير الاحتلال الصهيوني للقدس الشرقية في العام 1967، فناهيك عن تعرض مدينة القدس لتغيير وقح ومستمر لطابعها الديمغرافي بغية تهويدها، فإن المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف لما كان بوصفه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، يشكل رمزاً أساسيا للتواجد العربي والإسلامي في هذه المدينة، فإن الكيان الصهيوني ما انفك يصب جام حقده ومؤامراته المنافية للشرائع السماوية والإنسانية والدولية على هذا المعلم الحضاري والوجداني العربي والإسلامي، حيث تعرض الحرم لسلسلة من أعمال التخريب الهمجي والحفريات المنظمة والتي جاءت مبكراً منذ العام 1967 بعد الاحتلال بأربعة أيام فشملت الحفريات الناحيتين الغربية والجنوبية، وامتدت إلى الأنفاق أسفل المسجد ومازالت مستمرة حتى اليوم بحثاً عن الهيكل المزعوم من وهم العنعنات التوراتية والتلمودية، وكل ذلك يأتي في سياق مشروع صهيوني خطير يهدف لطمس الشواهد التاريخية والحقائق الحضارية عن التواجد العربي الفلسطيني في القدس تمهيداً لتهويدها، وليصبح لهذا الكيان حق المطالبة بأراضي الحرم القدسي والأوقاف الإسلامية بعد خطوات “الترانسفير”  المعلنة كجزء من هذا المشروع، إلا أن أشد الأساليب الصهيونية الرامية لتهويد القدس كانت في جريمة إحراق المسجد الأقصى في 1969/8/21، وكذلك في محاولة نسفه عام 1984، هذا غير الحفريات المستمرة من حوله وتحته في محاولة لفتح الأنفاق، وقد سبق ذلك هجوم جندي صهيوني على قبة الصخرة المشرفة عام 1982 وقد بلغ التحدي الصهيوني ذروته في ظل تهديم وتخريب معالم إسلامية كالمدرسة “التنكزية” وحارة المغاربة إضافة إلى الاعتداء على المساجد والمقدسات والتي تأتى ضمن سياسة مبرمجة وممنهجة من قبل قوات الاحتلال، ففي عام  2011 نفذ الكيان الصهيوني  نحو 70 اعتداء على المقدسات داخل فلسطين والقدس والضفة الغربية المحتلة غير الاعتداءات على المسجد الأقصى نفسه وتمثلت أبرز الاعتداءات في إحراق ثمانية مساجد وجرف 120 قبر من مقبرة مأمن الله الإسلامية في القدس، إلى جانب أعمال تدنيس وتخريب للعديد من المساجد.

أكذوبة حائط المبكى:

إن ما يسمى لدى اليهود “حائط المبكى” إنما هو في حقيقته حائط البراق الإسلامي الذي ربط فيه النبي صلى الله عليه وسلم البراق الذي عرج به إلى السماء، وما دعوى اليهود بأن حائط المسلمين هو حائطهم إلا لإعادة مملكة داوود التي لا تتم إلا ببناء الهيكل كما يزعمون ومن وراء ذلك غايات سياسية تبغي اجتثاث الوجود العربي، ومن وثائق الجامعة العربية وثيقة دولية هامة تعود للعام 1930 تؤكد أن حائط البراق في القدس أثر إسلامي وليس من حق اليهود، هذه الوثيقة التي أصدرتها لجنة تحقيق عرفت في ذلك الوقت باسم لجنة “شو” نسبة إلى رئيسها الانكليزي “أوسي ش” وموقعة من قبل بريطانيا ــ يوم كانت فلسطين تحت الانتداب ــ وعصبة الأمم تنص الوثيقة: ” ثبت أن حائط المبكى أثرٌ إسلاميُ بما فيه الرصيف المقابل والمنطقة الملاصقة له داخل أسوار المدينة القديمة وهو وقف إسلامي ولا حق مطلقاً لليهود في ملكيته، وهذا الحائط جزء لا يتجزأ من الحائط العربي للمسجد الأقصى ليس فيه حجرٌ واحد يعود إلى عهد الملك سليمان” حتى أن التقرير منع اليهود من نصب أية خيمة أو ستارة على الحائط ولو لمدة محددة ومنعهم أيضاً من نفخ “البوق” حتى لا يسببوا إزعاجاً للمسلمين.

هرطقات “الهيكل”:

كثرت الدعوات في الآونة الأخيرة من قبل قادة وحاخامات الكيان الصهيوني بإزالة المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم عليه، وليس آخرها تلك الدعوة التي أطلقها أعضاء من حزب الليكودي تهم باقتحام المسجد الأقصى يوم الأحد 2012/11/2 لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

هذه الدعوات الصهيونية القديمة المتجددة حول النية لبناء الهيكل المزعوم على حساب المسجد الأقصى المبارك، مع ما يرافقها من قرار المحكمة العليا بإعطاء الحق لليهود بالصلاة في

المسجد الأقصى المبارك هو تمهيد لطرح فكرة تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود كخطوة لتحقيق أهدافهم لبناء الهيكل المزعوم”.

إن الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى والتزوير التاريخي في هذه المنطقة بالذات يأتي في سياق مشروع صهيوني يتخذ من العقيدة الدينية مركباً لتحقيق أهداف سياسية قائمة على الهرطقات المفتراة حول وجوب بناء الهيكل المقدس الثالث بعد تدمير المسجد الأقصى، مدعين أن هذا المسجد بني على أرض الهيكل الأول متناسين ببساطة أن مساحة الحرم القدسي الشريف أكبر بأضعاف من مساحة الهيكل الأول والثاني، وأن اتجاه الحرم من الشمال ونحو الجنوب (القبلة) وأن اتجاه الهيكل سواء الأول والذي خربه “بختنصر” محا أثره في القرن السادس عشر قبل الميلاد، أو الثاني الذي دُمر على يد “تيوتس” الروماني في سبعين ميلادي يتجه من الغرب إلى الشرق (نحو الشمس) وهو اتجاه المعابد القديمة فلا يمكن لأي عاقل أن يظن بأن الحرم الحالي مكان هيكل سليمان، كما أن هناك اختلاف أوضحه الكثير من علماء الآثار الموضوعيين بين صخرة “قدس الأقداس” وصخرة المعراج النبوي المبارك، من حيث الحجم ومن حيث الارتفاع عن الأرض، حتى أنه قد جاء ذلك في تأريخ “يوسفيوس” مؤرخ اليهود الأول، ولم يكن المسجد البسيط الذي أنشأه “عمر بن الخطاب” لجنده ــ وهو نواة الحرم الشريف والمسجد الأقصى ـــ مع الفتح الإسلامي في القرن السابع عشر ميلادي إلا بعد خراب المنطقة الوثنية التي أسسها الإمبراطور الروماني “هدريان”، وظلت لا يسكنها اليهود، هذا ما يدعونا إلى التشديد على القول بأن التساهل مع هذه التخاريف العقائدية التوراتية والتلمودية والماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون لن يجلب إلا الخراب للعالم ولكل من يقف خلف “إسرائيل” ومشروعها الصهيوني الخطير. ومن هنا آخذت زيارة المجرم “شارون” إلى الحرم القدسي الشريف والتي فجرت انتفاضة الأقصى الباسلة للشعب الفلسطيني في 2000/9/28 بُعداً خطيراً في ظل التساهل الدولي والعربي وأن هذه الجماهير المنتفضة تحسست من خلال خطوات “شارون” في باحة الحرم القدسي الشريف خطوات “هرتزل” وتوصياته وكذلك رؤية “بن غوريون” وبعده “مناحيم بيغن” وغيرهما من القادة الصهاينة بأن “لا قيمة للكيان الصهيوني من دون القدس، ولا قيمة للقدس من دون الهيكل” فاندفعت لتصرخ في وجه الاحتلال وبعمقها التاريخي: ” أقصانا ..لا هيكللكم” وتذود عن الأقصى الشريف بالدم واللحم وليس من المعقول أن نظل معتمدين فقط على استبسال المواطنين الفلسطينيين الٌملفت في التصدي لهذه المؤامرات الصهيونية المستمرة التي يطول الحديث عنها ويثير في النفس شؤوناً وشجوناً حول غياب الدور الفعلي لمنظمات دولية وعربية وإسلامية في هذه المواجهة التاريخية والحضارية والإنسانية، بينما ينفق العدو الصهيوني الملايين في عمليات البحث عن “إكذوبة” والتنقيب عن “الوهم” وتهويد مخطط، فمن حقنا أن نتساءل أين المال العربي وموقعه في هذه المواجهة؟ وأين الأمة الإسلامية والعربية المشغولة بربيعها العربي متناسية أرض الإسراء والمعراج؟ المستجدية السلام من كيان زائل لا محالة، فمن ينقذ التاريخ والحضارة من قبضة التدمير والتزييف غير صدور الأطفال المكشوفة لكل آلات القمع والتنكيل؟!!

أما آن للعرب أن يخرجوا من تقييم المؤرخ البريطاني “تويبني” لهم من خلال رؤيته للصراع العربي الصهيوني حين قال: “العرب أسوأ محامي لأعدل قضية”؟! سؤال برسم التاريخ!!

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/ocu3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top