ظاهرة تفشي المخدرات في مخيم اليرموك شبحٌ يؤرق الآباء والأمهات

فايز أبو عيد

لم تكن الحادثة الأخيرة التي وقعت في مخيم اليرموك والتي راح ضحيتها شاب من المتعاطين للمخدرات هي وحدها المحفز الأساسي للتطرق لظاهرة انتشار المخدرات هناك، إنما ما يتناهى دائمًا إلى مسامعنا من ازدياد في عدد المتعاطين والانتشار الواسع للمخدرات ولمروّجيها في مخيم اليرموك، ناهيك عن بعض القصص التي تؤكد بأن عددًا من الشباب قد قضوا نحبهم إثر تعاطيهم جرعة زائدة من المخدرات.

هنا وكما في كل مرة يتطرق فيها أي كاتب وباحث لموضوع المخدرات في المخيمات الفلسطينية بالشتات يتنطع رهط من المنظّرين ليرسموا بعض علامات الاستفهام والتعجب لإثارة هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات؟ حتى يجنح بهم خيالهم الخصب إلى نظرية التآمر وتشويه سمعة الشعب الفلسطيني والإنكار، ونحن بدورنا نقول لهؤلاء بأن العدو الصهيوني يعلم كما نعلم أن صراعه معنا صراع حضاري وثقافي واجتماعي ووجود إضافة للصراع المسلح، فلذلك لا يألو هذا الغاصب جهدًا لمحاربتنا بكافة الطرق وشتى الأساليب؛ من تهويد للقدس ومحو طابعها العربي والإسلامي وسرقة التراث والتاريخ الفلسطيني بغيةَ السيطرة على كامل تراب فلسطين، لذلك عمد هذا الكيان إلى ترويج المخدرات بين أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات لأنه يعلم أنها آفة خطيرة تهدد المجتمعات وتنذر بانهيارها، وتشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات.

كما أن هذه الآفة تمس حياة المدمن الشخصية والاجتماعية من جميع الجوانب سواء كان ذلك يتمثل في صورته أمام نفسه أو بينه وبين أفراد أسرته، أما بالنسبة للمجتمع فإنها تقوِّض استقراره وتؤدي إلى زيادة نسبة الجرائم والعنف مثل السطو المسلح والسرقة وغيرها من الجرائم التي تحدث أغلبها تحت تأثير الإدمان، وهذا ما يسعى إليه الكيان الصهيوني الذي يريد تفتيت مخيماتنا وتدمير مجتمعاتنا واستهداف شبابنا لإبعادهم عن همهم الحقيقي وإخراجهم من مسيرة التحرير والعودة إلى ثرى فلسطين؟!

المخيم وانتشار المخدرات

يرى الدكتور محمد البحيصي “أمين سر الهيئة الوطنية الفلسطينية لمكافحة المخدرات” أن انتشار ظاهرة المخدرات في المخيمات الفلسطينية وبحسب المعلومات المنشورة تسجل أعلى نسبة تعاطي تقريبًا في سورية، ومن خلال هذه الإحصائيات يتضح أن هناك استهدافًا لهذه التجمعات له علاقة بطبيعة وأدوات الصراع مع العدو الصهيوني، دون أن نغفل مجمل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأخرى التي تحيط باللاجئ الفلسطيني، ويضيف د. البحيصي: من هذا التصور تأسست الهيئة الوطنية الفلسطينية لمكافحة المخدرات التي تضم في عضوية مكتبها التنفيذي مندوبين عن كافة الفصائل الفلسطينية إضافة إلى شخصيات وهيئات اعتبارية محلية.

والهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات هي هيئة وطنية أهلية اجتماعية مستقلة تنشط في كافة مخيمات وتجمعات الشعب الفلسطيني في سورية، تأسست عام 2008 استجابة للحاجة الملحّة في التصدي لآفة المخدرات، وقد أخذت على عاتقها التصدي لهذه الظاهرة، وسعت منذ البداية لتوحيد الجهود في هذه المهمة النبيلة؛ إيمانًا منها بضرورة حماية المجتمع، ورفع سويته، وتعزيز حصانته ضد الهجمة الشمولية التي يتعرض لها.

ويتابع د. البحيصي كلامه بأن الهيئة قد انتهجت كافة الوسائل والأساليب التي يمكن من خلالها إنجاز مهمتها، فكان عملها مقسومًا إلى شقين: الأول هو عمل توعوي انطلاقًا من القول الطبي “درهم وقاية خير من قنطار علاج”؛ فلجأت إلى إقامة المحاضرات والندوات التي تبين خطر وأضرار انتشار آفة المخدرات على الفرد والمجتمع، وكذلك قامت الهيئة بزيارات ميدانية للبيوت والعوائل لتقديم العون لهم ومساعدتهم من الناحية النفسية والاجتماعية، أما الشق الثاني فكان العلاج الطبي؛ حيث تعاونت الهيئة مع المرصد السوري للشباب واستطاعت أن تعالج بعض الأشخاص وتقنع البعض الآخر بأهمية العلاج من هذه الآفة الخطيرة.

وعن توافر معلومات وأرقام تقريبية عن انتشار الظاهرة والمتعاطين أكد أمين سر الهيئة الوطنية الفلسطينية لمكافحة المخدرات أنه لا توجد إحصائيات دقيقة تتحدث بالأرقام عن هذه الفئة، لكن ومن خلال المعلومات التي يوفرها المرصد الوطني للشباب في سوريا يمكن إدراك خطورة هذه الظاهرة وزيادة انتشارها، علمًا بأن ما يرد من معلومات من هذه الجهة لا يعطي تقديرًا صحيحًا لحجم الظاهرة، لأسباب كثيرة لها علاقة بالوضع الاجتماعي وسواه؛ إذ إن الكثير من الحالات تظل طيَّ الكتمان، إضافة إلى أن هناك العشرات من العيادات التي تتعامل مع هذه الظاهرة بسرية تراعي خصوصية الإنسان، وما يظهر عمومًا من هذه الظاهرة كافٍ للاستشعار بخطورتها وفداحتها على المجتمع حاضرًا ومستقبلاً لاسيما على فئة اليافعين والشباب، وهم الفئة الأكثر استهدافًا، وأخيرًا يمكن القول أن الهيئة قد استطاعت أن تساهم بعلاج العديد من الحالات ونجحت في إقناع وشفاء العديد من المتعاطين بشكل كامل.

مسببات التعاطي

من جهة أخرى أكد الباحث إبراهيم العلي “مؤلف كتاب الواقع الصحي للمخيمات الفلسطينية في سورية” على أن هناك مؤشرات في المخيمات الفلسطينية بسورية تدل على وجود انحرافات في الصحة النفسية؛ فانتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات والمسكرات على سبيل المثال متفشية على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة لمحاربتها، ويضيف إلى أن مراجع الطب النفسي عرّفت الإدمان “على أنه نزوع إلى حل مشكلات شخصية بسلوك ينطوي على سوء تكيّف”؛ فالظروف المعيشية للاجئ الفلسطيني والمستوى التعليمي الذي تدنى في السنوات الأخيرة بالإضافة لأسباب عدة منها ما هو ذاتي يتعلق بشخصية المتعاطي ومنها ما هو موضوعي يتعلق من جهة بالبيئة المحيطة ومن جهة أخرى بتوافر المادة المخدرة، إضافة للثغرات القانونية التي لها علاقة بقوانين الضبط.

ويأتي التفكك الأسري والحرمان العاطفي وهشاشة الشخصية في طليعة الأسباب التي تقود إلى التعاطي، وكذلك رفاق السوء، ونقص الوعي والإحباط والشعور بالعزلة، والتقليد، والقدوة السيئة والإعلام الهابط، والمفاهيم الخاطئة الرائجة حول المخدرات، ونقص الوازع الديني والقيَمي، كل تلك المسببات لعبت دورًا هامًّا في وقوع هؤلاء الشباب فريسة الإدمان وتعاطي المخدرات.

الجنة المورفينية

يعتبر مجتمع المتعاطين مجتمعًا قائمًا بذاته؛ حيث استطاع هؤلاء المتعاطون أن يوجدوا لأنفسهم أجواء خاصة بهم وطقوسًا وعاداتٍ وتقاليدَ ومصطلحاتٍ، فمن صفات هذا المجتمع الكرم والجود، حسب ما أسرَّ لي أحد المتعاطين في لقاء جمعني معه ويتجلى هذا الكرم حسب قوله بأنهم عندما يجتمعون في بيت أحد أصدقائهم الميسورين فإنه يقدم لهم هذه المواد في طبق ضيافة يحتوي على “البروكسيمول، البالتان، السيتاكودئين، السيمو مع الكودانين وغيرها من الأنواع”، وهم بدورهم يقومون باختيار الأنواع التي تناسبهم.

أما عن المصطلحات المستخدمة بين المتعاطين فهي غامضة، غريبة، عجيبة، الهدف منها عدم كشف أمرهم بين الناس؛ فإذا أراد أحد منهم نوعًا معينًا من المخدرات، يقول لزميله “معك مشط أو قضامة أو فستق” للكناية عن الحبوب، أو معك (قميص أزرق) ويعني ( بروكسيمول)، و(قميص رمادي ) يعني به (أمري جسيك)، و(قميص أحمر) للإشارة إلى (انتي دول فورت)، وكذلك (يا مسهرني وشبح… والقائمة تطول وتطول).

بدوره لم يجد سائق السرفيس -الذي أعلم مسبقًا أنه من المتعاطين- حرجًا في أن يجيب عن سؤالي عن كيفية تأمين المواد المخدرة فقال: “إن بعض بسطات الشاي والدخان تبيع الحبوب والمخدرات فلم أصدقه، حتى رأيته يقول لأحد باعة الشاي أعطني (كاسة شاي حلوة) فأعطاه البائع كأس الشاي وتحت الكأس حبة مخدر، وتابع السائق حديثه بأنني إن أردت أكثر من واحدة فما عليَ إلا أن أقول له أريد معلقتين سكر في كأس الشاي فيضع لي حبتين تحت (كاسة الشاي).

وعن كيفية استدراج شباب جدد من قبل بعض المتعاطين وتجار المخدرات بغية توسيع شبكة المتعاطين مما يدر عليهم من ربح ودخل يستطيعون من خلاله تأمين احتياجاتهم، فالطرق متعددة وبسيطة وسهلة كما أخبرني (م) وهي عن طريق(التلغيم)، وأضاف فورًا عندما لاحظ الدهشة والاستغراب يرتسمان على محياي: (التلغيم) هو وضع الحب في كأس الشاي أو العصير أو فنجان القهوة أو تقديم الحبة لمن يشكو من صداع على أنها دواء ناجع، لذلك يجد المرء نفسه المرة تلو الأخرى قد أدمن على هذا النوع لما تتركه هذه الحبة من آثار نفسية ومن شعور بالارتياح والبهجة والسرور والنشاط وكسر لحاجز الخوف، وتابع: بالطبع في بدايتها ومع طوال فترة استمرار مفعول هذه الحبة، يأخذ هذا الشعور المتعاطي إلى عالم آخر فيشعر بأنه يعيش في (الجنة) ولكنها جنة مزيِّفيه يطلق عليها اسم (الجنة المورفينية)، إلا أن هذا الشعور سرعان ما يزول مع زوال تأثير المخدر، وهنا تقع الطامة الكبرى في أن المتعاطي يسعى دائمًا ليعيش هذا الشعور، فتصبح لدى الشاب حاجة إلى طلب هذا الدواء وبأي ثمن كان، من أجل ذلك غالبًا ما يلجأ المتعاطي إلى شراء هذه المواد من خلال دخله وإذا لم يغطِّ هذا الدخل احتياجاته لهذه المادة فإنه يلجأ إلى بيع مصاغ زوجته أو أمه أو أثاث بيته أو السرقة لينتهي به الأمر إلى توزيع هذه المواد مقابل الحصول على حصته.

لكن (س) “21 عامًا” طالب جامعي، أدمن على المخدرات وهو في السنة الأولى الجامعية، اعتبر أن المخدرات هي من أخطر ما يمكن أن يواجهه الفرد والمجتمع لأنه يذهب بعقل الإنسان ويجعله عبدًا له ولمروّجي المخدرات، وأضاف: أقول هذا من تجربتي الخاصة؛ فأنا تعاطيت المخدرات لمدة ثلاث سنوات شعرت خلالها بالضياع، فأوقفت دراستي في الجامعة ثلاث سنوات ونبذت من قبل أهلي وأصدقائي، لذلك قررت أن أذهب إلى أحد مشايخ المخيم وأعرض عليه مشكلتي، وبالفعل ساعدني الشيخ ونصحني بالعلاج من الإدمان وأنا والحمد لله بخير، وأتابع الآن تحصيلي العلمي، وأردف قائلاً: “هناك كلمة يجب أن أقولها لكل من يتعاطى المخدرات: صدقوني أن سلوك درب التعاطي سيؤدي بكم للضياع والنبذ من المجتمع، فعودوا إلى رشدكم ولا تجعلوا من أنفسكم عبيدًا أذلاء للمخدرات منبوذين من المجتمع”.

من الملاحظ أن غالبية هؤلاء الشباب هم من البسطاء لأنك تلمس لديهم الطيبة والنخوة لذلك من الإنصاف عدم إلقاء اللوم عليهم وحدهم إنما يشترك المجتمع جميعه في المسؤولية، وبناء عليه يجب على الجميع أن يضطلع بمهامه وإعادة تقبل هؤلاء الشباب بعد علاجهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

ثغرات قانونية

بدوره اعتبر المحامي “محمد صالح” أنه على الرغم مما جاء في قانون المخدرات السوري رقم (2) لعام 1993، الذي يجرِّم جميع أشكال وصور الاتصال غير المشروع بالمواد المخدرة، فأورد هذا القانون مجموعة من الأفعال يعتبر ارتكابها جناية معاقبًا عليها بعقوبات شديدة، قد تصل إلى الإعدام مع غرامات مالية كبيرة، إلا أن هناك بعض الثغرات القانونية خاصة من الناحية الطبية والمتعلقة بالصيدليات والأدوية التي يتعاطاها المدمن فهناك أدوية غير مصنفة كمواد مخدرة وهي موجودة في الصيدليات وتباع دون وصفة طبية، وبالتالي لا تقع ضمن المواد القانونية، انطلاقًا من مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بالنصّ.

وأشار صالح إن هناك العديد من الحالات التي تثبت عدم مطابقة المواد المخدرة المصنعة بهدف العلاج للمواصفات المذكورة في موادّ القانون، كما لوحظ أن هناك أشخاصًا كثرًا يقومون بإدارة الصيدليات بموجب شهادات مستأجره أو العمل لدى صيدلي، وهناك الكثير من الأطباء يقومون بإعطاء مرضاهم أدوية مخدرة موجودة لديهم دون اتباع الأصول الطبية والقانونية المعتمدة في نص القانون، وكذلك يقوم بعض الصيادلة ومن أجل الربح المادي بصرف وصفات طبية غير قانونية مثل صرف وصفة قد انتهت مدتها الزمنية، أو إعطاء أدوية ممنوعة دون أي وصفة طبية، علمًا بأن هناك الكثير من الوصفات غير قانونية, أو قد استخدمت لمرات عديدة، وكذلك عدم تقيد الصيادلة بتسجيل الأدوية بصورة صحيحة.

وختم المحامي محمد صالح: إن عدم وجود الرقابة الجديّة من قبل المعنيين على الصيدليات وإهمال القانون لهذا الأمر أتاح الفرصة أمام العديد من الأشخاص باستغلال هذا الإهمال في ترويج نواياهم السيئة.

دور المجتمع والمنظمات الأهلية

يرى الدكتور محمود طلوزي “عضو مجلس إدارة جمعية الإسراء للتنمية الخيرية” أن للمجتمع ومنظمات المجتمع الأهلي دورًا كبيرًا في معالجة ظاهرة الإدمان، لذلك وإيمانًا من جمعية الإسراء بأهمية شريحة الشباب ودوره في بناء المجتمع وحرصها الشديد على بناء جيل صحيح البدن معافى، خصوصًا أن المخدرات مثلها مثل السرطان يصعب في بادئ الأمر اكتشافه، فيسري في الجسم كالسم، حتى إذا قويت جذوره كان من الصعب علاجه.

والإدمان على المخدرات يسبب أمراضًا فتاكة عديدة منها: الالتهابات الكبدية والرئوية، وتآكل في اللثة والأسنان وانبعاث رائحة كريهة من الفم، وجيوب صديدية في اللثة وســرطــان الفــم، والالتهابات الكلوية المزمنة المؤدية إلى الفشل الكلوي وغيرها من الأمراض. وأضاف إن المدمن عادةً ما تظهر لديه أعراض تدل على التعاطي مثل عدم القدرة على التركيز والاستيعاب، وثقل في اللسان، واحمرار في العينين، والنرفزة والعصبية وازدياد في المصاريف، وتغير في العادات مع إهمـال في المظهر العام، مما يؤدي إلى نبذه من المجتمع ورفض التعامل معه.

ويضيف د. الطلوزي: بناءً على ذلك كله ونظرًا لاستشعار جمعية الإسراء بخطورة هذه الآفة؛ فقد قامت الجمعية بإقامة العديد من الندوات والفعاليات الداعية إلى الحد من انتشار هذه الظاهرة، حيث نجحت الجمعية من خلال هذه الفعاليات في إقناع العديد من الشباب الذين تورّطوا وتعاطوا المخدرات بالإقلاع عنها، وأمّنت لهم العلاج بالتعاون مع المرصد الوطني للشباب، ومن ثم قامت بمحاولة دمج أولئك في المجتمع وإعادة تأهيلهم.

تحريم المخدرات

أما عن حكم المخدرات في الشريعة الإسلامية قال الشيخ أبو بكر كتمتو “إمام وخطيب مسجد الوسيم في مخيم اليرموك ونائب رئيس الهيئة الوطنية الفلسطينية لمكافحة المخدرات”: إن طريق المخدرات موحش؛ بدايتها الفضول والتجربة، ومنتصفها انسياق بلا وعي خلف رفقاء السوء وهوى النفس، وآخرها إدمان وضياع وتقصير في حق الله والنفس والوطن، فالمخدرات تسوق الفرد للنشوة للحظات ثم تتركه سقيمًا عليلا عالة على المجتمع، لهذا كله أجمع علماء المسلمين في جميع المذاهب على تحريم المخدرات حيث تؤدي إلى الإضرار في دين المرء وعقله وطبعه، حتى جعلت خلْقًا كثيرًا بلا عقل، وأورثت آكلها دناءة النفس والمهانة، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]

إن في تعاطي المخدرات اعتداء على الضروريات الخمس التي حرصت الشريعة الإسلامية على حمايتها والمحافظة عليها بمختلف السبل والوسائل، واعتبرت الاعتداء على أمنها جريمة من أشد الجرائم يستحق مرتكبها أبلغ العقوبات، وهذه الضروريات الخمس هي”(الدين، النفس، العقل، المال والعرض)”. وإذا تأملنا في هذه الضرورات نجد أن المخدرات معنية على أقل تقدير باثنتين منها وهي حفظ العقل وحفظ النفس، وإذا قسنا ما هو تأثير المخدرات على العقل والنفس-النفس بمعناها الروحي والجسدي- نجد أن آفة المخدرات تضرب هدفين أساسيين من أهداف الإسلام، لذلك نجد أن التشريع الإسلامي جاء ليحرم كل ما يضر بهذا الجسم والعقل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل مسكرٍ خمر، وكل مسكرٍ حرام”، والخمر هو كل ما خامر العقل أو غطاه أو ستره بغضّ النظر عن مظهر المسكر أو صورته وكل المخدرات مسكرة ومفترة وهي حرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أسكر كثيره، فقليله حرام” كما قال: “حرامٌ على أمتي كل مفتِّر ومخدِّر”.

 أخيرًا يمكن القول: إن المجتمع بأسره مسؤول مسؤولية كاملة عن انتشار هذه الظاهرة، التي يعود سببها إلى الجهل بمخاطرها وعدم إدراك النتائج المترتبة عنها من جهة، والظروف المعيشية والنفسية والبيئية التي يحياها اللاجئون في المخيمات من جهة أخرى.

وإن هذه الظاهرة في نهاية المطاف لا تصب إلا في مصلحة الكيان الصهيوني كونه المستفيد الأول من تدمير مجتمعات اللاجئين وخاصة الشبابية منها لإضعاف الشعب الفلسطيني، وتحطيم معنوياته، وتدميره من الداخل وإلحاق الأذى به لإبعاده عن قضيته الأساسية.

لذلك يتوجب على الجميع العمل من أجل استدراك هذه النتيجة الحتمية التي يهدف إليها العدو والمسارعة إلى وضع البرامج الكفيلة بحماية والشباب وتوعيته ضد الأخطار المترتبة على الدخول إلى هذا الطريق لتستعيد المخيمات رمزيتها ودورها الأصلي في إعداد جيل التحرير والعودة.

الرابط المختصر: https://fayzaboeed.com/p6xs

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top